الثلاثاء، 21 فبراير 2012

# نجاد يسابق وكيسنجر يداعب .. !!


.. لعل من أكثر ما يؤلم كاتب المقال الأسبوعى الراتب هو هروب الموضوعات المتفاعلة أمامه هروباً قسرياً على نحو يجعله وفى بعض الأحيان فى موضع هزلى تماماً كما وتوم وجيرى ومع الوتيرة المتسارعة لأحداث الزمان الذى نعايشه الآن فان ما يهرب من صاحب القلم الأسبوعى من موضوعات يكاد أن يزيد فى اليوم الواحد عن موضوعين الى ثلاثة مواضيع تهم نفسه باللحاق بكل منها ليكتب عنه ويتناوله بالرأى والتحليل ولكن هيهات فالزمان لا يتوقف لأحد والأحداث والموضوعات لاتنتظر من يحمل قلماً أو حتى سيفاً .. وبالرغم من أن من يكتب المقال تتوافر عنده المساحة الزمنية التى ربما ساعدته فى ضيط أفكاره واستخدام عناصر موضوعه استخداماً جيداً بعيداً عن رهق الكتابة اليومى الذى يعانى منه من يتصدى للكتابة اليومية الا أن حسرته بخروجه عن الشبكة اليومية للأحداث المتفاعلة تظل حاضرة بطعمها المر فى فمه وحلقه كلما تعرض مع الآخرين لتلك الأخبار والأحداث وان كان عزاؤه فى أنه يعطى ما يكتب عمقاً وشمولية ربما لا يتيحها الحيز الزمنى لمن يتناوله هكذا على نحو فورى ومع طبيعة المناخ السياسى والاجتماعى فى منطقتنا العربية والأفريقية وواقعنا الداخلى هنا فى السودان فان الخبر بمعلوماته الأولية وبالرغم من قوته فى ما يحمله حتى دون تفاصيله الشاملة هو الأهم والحاسم لما بنقل ويصل الناس الا أن تلك التفاصيل بشموليتها وحواشيها والتى تتيح لمن يصله الخبر ويتعاطاه خيالاً للتحليل وعالماً للتأويل تظل مطلوبة بقوة وشغف وهى الحالة النفسية التى يستفيد معها جهد كاتب المقال الأسبوعى ليعطى مادة مشبعة لمن يقرأ ويتابع كتاباته الأسبوعية وهذه بالطبع وجهة نظر ربما يختلف معها آخرون خاصة عند من لديهم جهد والتزام بالكتابة اليومية .. .. وربما ما دفعنى اليوم لهذه المقدمة التى كثيراً ما راودتنى هو تزاحم أربعة عناوين فى رأسى كلأً منها يلح على فى التناول والكتابة حوله .. لذا عزمت هذه المرة أن أكتب فى اثنين منها وان كانت المساحة تكفى لكتبت فيها الأربعة هكذا مرة واحدة وذلك تصادماً وربما نكاية فى ما فرضته على نفسى من التزام أسبوعى بالكتابة ..
نجاد يسابق :
الموضوع الأول هو نجاد .. الرئيس الايرانى المثير بخطاباته الملتهبة للجدل خرج خلال الأسبوع الفائت بتصريح غامض ومثير قطع فيه باعلان بلاده خلال أيام قليلة لتطور وانجاز نووى وصفه بالانجاز الكبير والعظيم .. !! .. بدأت التخمينات وعلى الفور لاستبصار ما يرمى اليه نجاد .. هل أفلحت ايران أخبراً فى اكمال الحلقة الأخيرة من برنامجها النووى .. البعض مضى بتوقعاته الى أكثر من ذلك ورأى أرض فارس القديمة تهتز بتفجير نووى يماثل بفجائيته ما فعلته الباكستان عندما فاجأت الجميع بتفجيرها النووى الذى أعلنها دولة نووية .. ولكن شىء من هذا بالطبع لم يحدث غير أن نجاد أعلن عبر خطاب رسمى بثه التلفزيون الايرانى أن بلاده شغلت ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزى اضافى لتخصيب اليورانيوم تضاف الى ستة آلاف كانت تعمل بالفعل ليصبح الاجمالى تسعة آلاف آلة طرد مركزى مع الفارق الكبير فى القوة حيث أن الاضافة الأخيرة يعتبر أداؤها أقوى بثلاثة مرات عن الأجهزة القديمة .. هذا هو ما خرج به نجاد وما بشر به .. الأمريكيون وعلى الفور قللوا من الخطوة الايرانية الا أن وزبر الدفاع الأمريكى أعاد تصريح أوباما بأن بلاده لن تسمح لايران بامتلاك سلاح نووى .. الروس سارعوا بالرد لبؤكدوا بأن طهران بخطوتها الأخيرة تقدمت كثيراً فى برنامجها النووى الشىء الذى دعا وليم هيج وزير الخارجية البريطانى ينزعج بقوة محذراً من حرب باردة جديدة بسبب الملف الايرانى هذا بينما التقى رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون الرئيس الفرنسى ساركوزى واتفقا على خطوات سريعة لاحتواء الموقف المتفاعل .. كلنتون أبدت ارتياحاً كبيراً لقرار طهران العودة للمفاوضات بعد توقفها الطويل فى استانبول هذا بينما سربت طهران همساً امريكياً تم عبر كاترين أشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى يؤكد لها بأن واشنطن لن تسمح لاسرائيل بضرب المنشآت النووية الايرانية وأن لدى واشنطن رغبة حقيقية فى عودة ايران لمفاوضات جادة بشأن ملفها النووى وهو أمر قابلته طهران برد سريع وعاجل تم عبر كبير المفاوضين الايرانيين فى الملف النووى الايرانى سعيد جليلى الذى سارع بابداء الموافقة الايرانية على استئناف المفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد .. هذه السرعة فى الرد من الجانب الايرانى وحرص واشنطن على ضرورة العودة السريعة للمفاوضات على نحو جدى يشير حتماً الى أمرين هامين للغاية .. الأول يتصل بالموقف الأمريكى الذى بات يخشى وبالفعل من مغامرة اسرائيلية تقوم بها تل آبيب وهى فى قمة جزعها وخوفها من مفاجأة ايرانية باتت محتملة فى أية لحظة بالرغم من كافة التطمينات الأمريكية التى تؤكد لها صباح مساء بأن واشنطن لن تسمح لايران بامتلاك سلاح نووى الا أن التقارب الايرانى المستمر مع موسكو ونذر اندلاع الحرب الباردة من جديد بمثل ما أشار وزير الخارجية البريطانى وليم هيج .. كل ذلك بات يبرر الهلع الاسرائيلى من ما يمكن أن يحدث فى لحظة قد تمثل لها محكاً حقيقياً فى أن تكون أو لأ تكون .. !! .. الأمر الثانى يمثله المتغير الدولى وعودة الطموح الروسى الذى نجح فى استقطاب ما للموقف الصينى على نحو يجعل من الملف الايرانى ورقة خطيرة للغاية اذا ما صدقت قراءة وليم هيج فيما يتعلق بعودة الحرب الباردة بين الشرق والغرب بدخول لاعبين جدد تجرهم الآن روسيا جراً ليدخلوا مضمار لعبتها القديمة وعلى رأس هؤلاء الصين بضخامتها وايران بخطورتها على معادلة المنطقة وعلى اسرائيل خاصة والتى لابد وأن يكون قلبها قد خفق بل و طار من بين ضلوعه نتيجة لمناورة نجاد الأخيرة وهى حالة أصبحت تصيب تل آبيب كلما خرج عليها هذا الرجل القصير فى قامته الضخم فى حجم ما يقوم وما يناور عبره ويلوح به من مغامرات ايرانية تحاول فرض واقع جديد ومعادلة جديدة تلغى الوجود الاسرائيلى من على خارطة المنطقة .. كل هذا يدفع الآن الولايات المتحدة الى المسارعة تجاه ايجاد حل عاجل للملف الايرانى الا أن هذه المسارعة واللهفة الأمريكية تمثل لدى البعض دليلاً قوياً على اقتراب حدوث ضربة اسرائيلية لابران ( بثغطية أمريكية ) تأتى مع بدء المباحثات الجديدة بين ايران ودول الخمسة زائد واحد .. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هنا يقول هل بالفعل يملك نجاد وايران ما يمكن أن يتوج السعى الايرانى لامتلاك السلاح النووى خلال الفترة القصيرة المقبلة ليصل الميس أولاً أم أن الرجل يحاول كسب مزيد من الوقت من خلال تشتيت الأفكار وخلق حالة من الارتباك لدى الاسرائيليين والأمريكان خاصة فى أعقاب التصريح الغريب جداً والذى أدلى به الرئيس الأمريكى باراك أوباما بشأن ايران والموقف الاسرائيلى من ملفها النووى .. أوباما قال وبالحرف الواحد ( .. ليست لدى معلومات حول اذا ما كانت اسرائيل قد حددت موعداً لضرب ايران .. ) .. اذاً الضربة باتت وشيكة ولكن السيد أوباما لأ يعلم متى ستكون .. !! .. أى أنه لأ يعلم فقط ساعة الصفر بل تعلمها تل آبيب فقط ..!!!! .. من بلعب على من ومن سيصل أولاً الى الميس ايران أم اسرائيل .. ؟؟ !! ..
كيسنجر يداعب :
.. وفى أمر شكله وموضوعه يصنف فى دائرة الطرفة والدعابة خرجت مجلة ( ديلى سكوب ) الأمريكية العابثة بتصريحات تخيلية هزلية للعجوز هنرى كيسنجر أقل ما توصف بانها خارج الشبكة واليكم ما قال الرجل : ( .. أجراس الحرب العالمية بدأت تدق قى الأفق وان طرفاها هم الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وايران من جهة أخرى .. الولايات المتحدة تركت الصين تعزز من قدراتها العسكرية كما غفلت عن روسيا حتى تعافت .. الحرب القادمة ستكون شديدة القسوة بحيث لا يخرج منها سوى منتصر واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية .. الاتحاد الأوروبى أدرك حقيقة المواجهة العسكرية القادمة فعمد الى الى التوحد .. اسرائيل ستشن حرب جديدة على العرب تقتل فيها عدد كبير منهم وتحتل نصف الشرق الأوسط وتستقيظ الصين وروسيا لتجد هذا الواقع أمامها .. الدوائر الستراتيجية الأمريكية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل مواردها ونفطها وغازها مؤكداً أن البترول هو الطريق للسيطرة على الدول أما السيطرة على الغذاء – ووفق مقولة مشهورة لكيسنجر – فهى السبيل للسيطرة على الشعوب .. وتمضى الخطرفات التخيلية للمجلة لترسم على شفاه كيسنجر قوله : أن هذا الهدف أى السيطرة الامريكية على السبع دول العربية الغنية التى طلب الاستراتيجيون الأمريكيون احتلالها قد تم ما عدا حجر واحد سنسقطه كما جاء على لسان كيسنجر وهو ايران .. وتختم المجلة كلماتها الهزلية على لسان كبسنجر.. بأن الحرب ستنتهى ببناء دولة عظمى وحيدة منتصرة هى الحكومة العالمية التى تسيطر على العالم وهى الولايات المتحدة التى تملك كما تقول كلمات كيسنجر الهزلية ترسانة أسلحة لا يعرف عنها الآخرون شيئاً ستقوم الولايات المتحدة بعرضها على العالم فى الوقت المناسب .. ) .. الى هنا انتهت كلمات المجلة العابثة التى أجرتها على لسان هنرى كيسنجر الألمانى الأصل الذى يدخل هذا العام عقده التسعينى بعد مسيرة طويلة بدأت منذ أن خرج ( هاينز ألفريد كيسنجر ) وهو اسمه الحقيقى مع أسرته اليهودية فى عام 1938م هرباً من النازيين الألمان من مدينة ( فورت الألمانية ) التى شهدت مولده فى عام 1923 فهاجر مع أسرته للولايات المتحدة ودرس البكالريوس والماجستير والدكتوراة فى جامعة ( هارفرد ) ثم بنى تاريخه العريض وزيراً للخارجية ما بين عامى 1973 الى 1977م فى عهدى ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد ومن قبل مستشاراً للأمن القومى خلال 1969 الى 1973م وهى سنوات هامة للعرب كان للرجل دور كبير فيها حيث خاض مباحثات الفصل بين سوريا زمصر من جهة واسرائيل من الجهة الأخرى الشىء الدى مهد من بعد لاتفاقية كامب ديفيد الشهيرة فى عام 1978م ..
وبمثل ما سخرت ديلى سكوب من الرجل وجعلته أضحوكة فقد احتفظ تاريخ العرب فى صراعه مع أبناء العم سام بحادثة نال فيها الرجل استهزاءً حقيقياً من المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز .. فعندما أصدر الملك فيصل قراره الأشجع فى تاريخ الصراع العربى – الاسرائيلى الحديث بوقف تصدير النفط للغرب تم ارسال كيسنجر ليالتقى الملك فيصل فى جدة فى العام 1973 م .. يقول كيسنجر فى مذكراته - ويحمد للرجل هنا شجاعته فى تدوين الحادثة - : ( .. وجدته متجهماً فأردت أن ابدأ معه بطرفة فقلت له مداعباً : ( .. جلالتكم طائرتى تقف بلا حراك على مطار جدة فهلا أمر فخامتكم بملئها بالبنزين وأنا على استعداد للدفع بالأسعار الحرة .. ) .. يقول كيسنجر : ( .. انتظرت أن بيتسم الملك ولكنه لم يفعل يل رفع رأسه نحوى وقال لى : ( .. وأنا رجل طاعن فى السن وأمنيتى أن أصلى ركعتين فى المسجد الأقصى قبل أن أموت فهل تساعدنى على تحقبق هذه الأمنية .. ؟؟ .. ) ..
رحمك الله يا فيصل فقد فصلت فى ذلك اليوم بينك والآخرين فصالاً سيبقى باقياً ما بقى الفرق بين الرجولة والخلاعة ..



ليست هناك تعليقات: