.. بالرغم من كل ما يقابل مشروعها التحررى من صعوبات ومخاطر تمضى مصر الآن فى طريق قدرها الثورى لتبنى دولة جديدة عمادها الانسان الحر وقيمها العدل والمساواة والكرامة للجميع فبعد ما تجاوز نصف قرن أو يزيد تصحو مصر لنفسها ولدورها وهاهى تعبر أدق مراحلها بعزم بنيها الذين فجروا ثورتها ولا زالوا يحرسونها حتى تعبر آخر متاريسها ومن يظن بأن مصر الآن فى خطر فقد صدق الا أن من يظن بأنها ستتجاوز خطرها هذا لتعبر وتصل الى مصر الدولة الحرة بمؤسساتها السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية فان هذا الأخير قد آمن بحتمية التغيير الذى هبت نسائم ربيعه الأول من تونس ببروجها وسفوحها الخضراء الا أن الروض المصرى كان الأسرع فى تلقيح زهره و ورده فمضى فيه الأمر الى مراحل التكوين الأخضر للثمر الذى يكاد يكمل الآن مراحل نضجه والتاريخ هكذا يحدث بأن ما من ثورة ناجحة كان لها دوراً تاريخياً فى تغيير شامل وحقيقى الا وعبرت خلال مسيرتها حقول الأشواك والألغام ..
.. ومن كان يظن بأن ثورة الخامس والعشرون من يناير المصرية الفتية كانت ستعبر هكذا بكل يسر بعد اعلان الرئيس المخلوع حسنى مبارك عن تنحيه فقد فاته أن يقرأ فى تاريخ الثورات ما يلزمه الواقعية فى التقدير ونسج الطموحات على صدقها وأملها النقى .. فما من نظام سياسى قمعى حديث الا وقد قاوم ثم قاوم بعد اقصائه حتى لفظ أنفلسه الأخيرة بصبر الثوريين المتيقظين وهاهم فتية الخامس والعشرين من يناير فى مصر يحرسون ثورتهم ويرفضون أن تأتى أذيال النظام بالفوضى وقد اجتازوا الآن مراحل التغيير الهامة بتكوين مجلس الشعب والتهيوء لاكمال المراحل التنظيمية الأخيرة لتكوين مجلس الشورى وقد استطاعوا بمرابطتهم اأخيراً أن يخرجوا بتحديد تاريخ العاشر من مارس المقبل كموعد لبدء اجراءات الترشح لرئاسة الجمهورية .. مصر ستعبر وستكون أول العابرين لميس الربيع العربى وهنا لأ يأتى هذا التقدير اعتباطاً بل من واقع تمثله طبيعة مكونات الحالة المصرية التى من أهمها على الاطلاق الوعى الكبير الذى يتمتع به الشعب المصرى تجاه حاجته كشعب لأن يعيش مستقراً آمناً وهى الرغبة التى تشكل قناعات كافة القوى السياسية المصرية على نحو حقيقى وليس نظرى ذلك بالرغم مما عانته هذه القوى ( و خاصة التاريخية منها ) من ضعف وتصدع خلال المرحلة السابقة التى غابت فيها الساحة السياسية المصرية عن الوعى بفعل القمع والقهر والاذلال والتخويف الذى مارسه النظام السابق على الشعب المصرى بتنظيماته الوطنية التاريخية والحديثة وأنت الآن عندما تنظر للشعب المصرى لأ تجد فيه شىء مقلق من الخلاف السياسى العنيف الذى يستخدم أدوات العنف والعراك غير القانونى الذى يهدم البناء المجتمعى والوطنى بل على عكس ذلك تجد أن ممسكات الحالة الاجتماعية المصرية الراسخة بنزعتها لتأمين الحياة العامة دوماً ما تنجح فى اجلاء حالات الانفراط الأمنى والاحتقان السياسى ( بل والدينى والمذهبى وكذا الاثنى فى بعض الأحيان ) الى بر الأمان والواقع القريب يؤكد ذلك عبر أكثر من مشهد فعقب كل خلاف سياسى قوى أو اصطدام دينى عابر بين المسلمين والأقباط تجد الشعب المصرى عبر قياداته وتنظيماته يخرج للشسارع ليطفىء نار الفتنة وقد نجح فى ذلك مرات عديدة ومتتالية فقط خلال الفترة القصيرة الماضية عقب نجاح الثورة وهنلك مشاهد عديدة سجلها الشعب المصرى تدلل على هذا الوعى الكبير و منها حتى المشهد الذى سجله الرئيس المخلوع حسنى مبارك بتنحيه عن السلطة يحكى ذلك والا فلتعقد المقارنة الآن بين الحالة السورية واليمنية والحالة المصرية .. فى الحالة اليمنية ظل النظام اليمنى مصراً ( وربما لازال بعد العودة المفاجئة الآن للرئيس صالح ) على البقاء بكل ما امتلك من قوة بطش وتنكيل وتقتيل للشعب اليمنى المنتفض ضده والذى ظل يصرخ ليلاً ونهاراً مطالباً بزوال النظام الا أن صالح وأخوانه وأبناء عمومته رفضوا ذلك وأختاروا طريق المواجهة مع شعبهم ولا زال الأمر وحتى هذه اللحظة معلقاً بالرغم من تسليم صالح لمهامهه الرئاسية وهى خطوة مشكوك فيها الى الآن اعتباراً للسيطرة التى لازال أتباع صالح يقبضون بها على زمام الأمور .. الوضع فى سوريا غنى عن التعريف بفظائعه التى يرتكبها فى كل لحظة الرئيس بشار الأسد واخوانه المسيطرين هم أيضاً على الجبش وكافة التشكيلات الاستخباراتية والأمنية وانه لشىء يدعو للأسى والحزن العميق بل وللغضب الكبير عندما يشاهد المرء أبناء الشعب السورى المنتفض يقتلون بأبشع وسائل التصفية الجسدية وقد بلغت الأرقام الآن مستوى لو استمرت على منواله لسجلت سوريا قريباً رقماً قياسياً فى القمع والتصفية الجسدية التى تمارسها الأنظمة الديكتاتورية ضد شعوبها وأبناء جنسها .. هل يعقل أن يستقر رقم المتوفين الآن فى سوريا وعلى الأقل ما بين 40 الى 60 قتيلاً يومياً .. ؟؟ .. أى عقلية يحملها هذا النظام وأى دماغ بشرى يحمله جسد بشار الأسد و هذه القيادات المجرمة .. أين الرحمة بالناس وأين الوطن نفسه فى عقلية هؤلاء .. ؟؟ !! .. فى مصر وخلال كل أيام ثورتها وانتفاضتها على النظام السابق لم يبلغ عدد شهداء الثورة أكثر مما قتلهم النظام السورى فى يومين فقط فى حمص ودرعا خلال الأسابيع الماضية وهذا هو الفرق بين مصر بتاريخها السياسى الكبير ومجتمعها الواعى لقضية الاستقرار والأمن وبين الأخرين وهنالك من يقول الآن بأن مبارك لم يتنح عن نفسه وارادته حقناً لدماء شعبه وحفاظاً على حياته بل وقع وأطيح به نتيجة لصفقة تمت بين عمر سليمان مدير جهاز الاستخبارات السابق وقيادة الجيش بقيادة المشير طنطاوى وهى رواية ليست بعيدة عن المنطق وان صحت فهى تعزز فكرة رسوخ النزعة المجتمعية والسياسية المصرية تجاه تأمين المجتمع المصرى واستقراره وقيام الجيش المصرى باستلام السلطة وازاحة مبارك على الطريقة الذكية التى تم بها يؤكد بأن المؤسسة العسكرية المصرية لازالت تعمل على نحو لا ينفصم أبداً عن المؤسسة المجتمعية المرتبطة برغبات الشعب وقيمه الوطنية فحينما أكتمل الأمر ونضج علم الجميع بأن زمن اللعبة قد انتهى وحان الوقت تماماً لفعل وواقع جديد وقد حدث وعند اللحظة المناسبة قام كل فرد بدوره حتى مبارك ونجليه وكبار قادته قاموا بدورهم عبر الاستسلام السهل وتركوا الأمور لتسير سيرها الطبيعى وليس الأمر هنا محمدة تحسب لمبارك ونظامه ومساعدوه بقدر ما الأمر هنا بلحظته التاريخية يمثل تاريخ سياسى عريق لمصر الدولة والحضارة بمثل ما يعبر عن وعى شعبى ومجتمعى يدعو بحق للاعتراف عبره لمصر بريادتها فى المنطقة وكأن الأقدار قد كتبت لهذا البلد لأن يقوم بهذا الدور على حقبتين زمنيتين متتابعتين عملتا على احداث أكبر التحولات السياسية والمجتمعية فى المنطقة العربية كانت الأولى عندما تقدمت مصر ركب التحرر من ربقة الاستعمار الأجنبى ومدت يدها من بعد للآخرين للحاق بها فكان أن تدافعت الدول العربية والاسلامية يقودها بنوها المناضلون للتحرر واعلان الاستقلال والانعتاق من قبضة الاستعمار الأوروبى الذى جثم على صدرها عقوداً طويلة امتدت لأكثر من نصف القرن .. الآن تتيح الأقدار لمصر لتلعب دوراً مماثلاً ولكى تفعل ذلك يجب أن تتهيأ قبل الآخرين وتصل قبلهم عروساً فى كامل زينتها الى ساحة العرس والى ميس الربيع العربى وهاهى تكابد الآن لتفعل ذلك فى ظل واقع دولى خانق بأزماته الاقتصادية وتوتراته السياسية وبؤره العسكرية الملتهبة وواقع اقليمى هو الآخر متوتر فى علاقاته ومأزووم فى حالته الاقتصادية والسياسية ..
.. و الآن وكل ما قفزت على الخاطر العربى صورة اشفاق وخوف علي مصر قفزت وفى ذات اللحظة صورة أخرى تزاحمها يطل عبرها شباب الثورة المؤمنين بها وبمستقبل وطنهم .. الشباب .. نعم .. هم وحدهم من يمثل الضمانة الوحيدة لعدم انزلاق مصر العظيمة فى مستنقع الفوضى والانقسامات مذهبية كانت أو اثنية أو سياسية فمصر أكبر من ذلك بتاريخها وستعبر بحول الله لتكون أول العابرين الى دنيا العرب الجديدة الحرة القوية التى تعيد للأمة شموخها و أشواقها وآمالها بمثل ما تعيد لها حقوقها وقيمها ومبادئها ..
.. ولتبقى يامصر كنانة الله فى أرضه ما طلبك عدو الا وأهلكته ..
هناك تعليق واحد:
رؤيه وطرح متفائل وواثق بمصر وشعبها وريادتها
وأتمنى كما يتمنى كل العرب المخلصين أن تتعافى مصر سريعاً ليتعافى العرب
وستتغلب هلى فلول النظام السابق لأنهم ماذالوا فى كل مكان
ولكنهم يصارعون حتى لايخرج رمقهم الأخير
وأرى أن الضمانه الحقيقيه لنجاح الثوره المصريه هو اننا قهرنا الخوف وخوفناه وأصبحنا نطالب بحقنا فى الحريه والعدل وبذلك ستنتصر الثوره وتكتمل أهدافها ولو مع الوقت
وتقبل تحيتى ومرورى
إرسال تعليق