الأربعاء، 1 فبراير 2012

الاسلاميون ومذكرة التصحيحيين الجدد .. قراءة ثالثة



.. ( .. انها كما والحمى دخلت جسد الحركة الاسلامية ومن المستحيل خروجها منه الآن .. !! ) .. مرة أخرى وللمرة الثالثة على التوالى أبدأ هذا المقال بذات هذه الكلمات التى كانت أولى كلمات الدكتور حسن الترابى وقد أطلقها فى أعقاب نشر نص مذكرة العشرة التى صدرت منذ أكثر من عقد كامل من الزمان وانتهت الى الانقسام الشهير للحركة الاسلامية .. انها كالحمى .. لن تخرج أبداً .. هل أصبح هذا الحال الآن هو بالفعل الواقع المعاش للحركة الاسلامية فى أعقاب صدور المذكرة الأخيرة التى أسماها بعضهم مذكرة الألف .. ؟؟ .. وماذا عن صدور مذكرة أخرى وجدت طريقها للنشر نهاية الأسبوع الماضى تحت مسمى المذكرة الاطارية مقدمة لنصها الأول باعتباره الورقة الأولى .. هل سيعزز هذا التطور هذه الحالة من الحمى أم يشكل بظنون البعض وتأويلاتهم منعطفاً محطماً ولاغياً لأثر كبير وتاريخى كان من الممكن أن تحدثه وتنجح فيه المذكرة الأولى التى أطلق عليها مذكرة الألف .. ؟؟ ..

.. المذكرة الجديدة أشير الى أنها هى أصل المبادرة وأن الآخرين و ( المقصود هنا بالطبع من اخرجوا ما اسموه بمذكرة الألف ) قد أصدروا مذكرة أخرى فى ايحاء لا يخفى على أحد بأن لدي هؤلاء هدف ما من هذا الاستباق لمذكرتهم .. !! .. هذا ما فهم من المذكرة الجديدة التى اختلفت فى روحها ولغتها اختلافاً تاماً عن الأولى على نحو يصنف طرحها ضمن الطرح الثورى الجرىء و القوى والمباشر دون تلاعب بالكلمات والعبارات ودون استخدام للمحتوى والتعبير الدبلوماسى الحذر بل على العكس جاء طرح هؤلاء ( الاطاريون ) الثوريون عنيفاً حاداً لأ يخلو من نبرات الغضب والحنق .. هذا فيما يوشك الخلاف الجوهرى بين الطرحين أن يتمحور فى اقرار المذكرة الأولى بسلامة قرار قادة الحركة الاسلامية الذى قاد الى الاستيلاء على السلطة فى 1989م مستندة على ما ساقته من مبررات دارت حول فقه الضرورة وما يتعلق باستباق ( الأعداء ) الذين كانوا سيستلمون الحكم فى حال التأخر والتباطوء فى القيام بهذه الخطوة الى جانب الأسباب الأخرى التى ساقها هؤلاء كمبررات دعت بموضوعيتها كما قالوا لاتخاذ مثل هذا القرار .. أما ( الاطاريون ) أصحاب المذكرة الاطارية الأخيرة فقد أعلنوا ويوضوح تام ولأول مرة فى تاريخ الاسلاميين ( اذا ما تم استثناء تصريحات قادة المؤتمر الشعبى المنشقين بقيادة الدكتور الترابى وبعض معاونيه البارزين وآخرهم المحبوب عبد السلام بثقله الفكرى و التنظيرى القريب من الفضاء العقلى والفكرى للدكتور الترابى .. ) .. باستثناء هؤلاء المنشقين عن أنصار المؤتمر الوطنى الذين لازالوا على سدة الحكم واذا ما صح وكانت هذه المذكرة معبرة عن مجموعة مؤثرة فى الحركة الاسلامية .. فان ما جاء فى المذكرة الاطارية الأخيرة هذه يعتبر أول تصريح واقرار واضح من الاسلاميين بخطأ ما قاموا به فى 1989م .. والغريب أن كلا من أصحاب المذكرتين كانوا حريصين على تقديم هذا البند فى مقدمة طرحهم بما يشير الى تعزيز فكرة أن احد الفريقين من هؤلاء وهؤلاء ( الاطاريون والألفيون ) قد مارس على الآخر نوعاً من القرصنة الفكرية فاذا صدق ادعاء أصحاب المذكرة الأخيرة فان من أخرجوا مذكرة الألف قد سبقوا أصحاب المذكرة الاطارية هذه ( بعد أن وقع نصها أو على الأقل جزء من نصها أو أفكارها ) فى أيديهم فعمدوا الى مقابلة بنودها ببنود أخرى مقابلة لها ولكن بمنطلقات ان لم تكن معاكسة فهى على الأقل مختلفة كلياً أو جزئياً عن ما وقفوا عليه فى مذكرة الفريق الآخر وهو ما يبرر الاشارة وبحرص الى مبدأ الاستيلاء على السلطة باعتباره مبرراً بما يضعه منطلقاً للوقوف على التجربة وقد وضعوه تماماً فى صدر طرحهم تماماً كما وجدوه فى المذكرة التى وقعت فى أيديهم .. هذا بالطبع اذا ما صدق أصحاب المذكرة الاطارية الجديدة هؤلاء فى زعمهم وبالمقايل قد يكون الأمر على وجهة أخرى بحيث يكون الفريق الآخر قد تعرض لتجنى من هؤلاء ( الاطاريون ) الذين عمدوا الى تضليل الرأى العام بطرح جديد لأغراض ما ربما يكون من ضمنها نسف المذكرة الأولى من خلال فتح الباب واسعاً أمام الرأى العام وأمام جمهور الاسلاميين تحديداً للخروج برأى سلبى حول جدوى الاتجاه لالتماس التغيير عبر أسلوب المذكرات وذلك من خلال نشر أكثر من مذكرة وهذا الأمر ان صح فان الساحة الاسلامية موعودة بعدد من المذكرات الجديدة التى قد يكون هدفها تشتيت الانتباه وفك الالتفاف حول المذكرة الأولى .. هذا بالطبع اذا ما صدق الظن بمحاولة بعضهم وأد المذكرة الأولى التى وجدت صدىً واسعاً وكبيراً وسط الشارع العام وشارع الاسلاميين على وجه خاص .. ولكن وبعيداً عن هذه الظنون من هنا وهناك فقد جاءت المذكرة الاطارية أواخر الأسبوع الماضى ببنود جديدة وخطيرة تميزها بجرأتها ووضوحها عن مذكرة ( الألف ) لعل أهمها على الاطلاق الدعوة الصريحة لمناهضة النظام الحاكم عبر وجهة طريفة فى اختيارها لشكلها حيث نادت بفك الارتباط بين النظام الحاكم والحركة الاسلامية وهو ما يعنى انتزاع النظام الحاكم من حاضنته التنظيمية والفكرية وبالتالى افقاده المرتكز الفكرى الذى يسبغ عليه شرعية عمله ووجوده كناشط فى الساحة السياسية وكخادم للشعب السودانى والأمة الاسلامية عبر طرحه وأفكاره وتقول المذكرة هنا بأهمية الاتجاه للآلية الديمقراطية فى الممارسة للوصول للسلطة .. وقد أسست المذكرة وأصحابها لهذا الموقف من خلال الاقرار الذى خرج فى شكل نداء لمن وصفتهم المذكرة ب ( الصالحين ) كى لا يسايروا النظام الحالى باعتباره أميناً على المشروع الاسلامى حتى لا يكون ذلك ضرباً من ضروب مخادعة النفس والتهرب من مواجهة الواقع فهذا النظام ( كما جاء بالمذكرة ) نظام لا يحسن الاستماع للنصح ولا يقبل المراجعة وبالتالى فهو نظام لا يمكن اعتباره نظاماً معبراً عن خط الحركة الاسلامية التى انشطرت وكما تقرر المذكرة نتيجة لصراع حول السلطة الشىء أدى فى نهايته لانعدام الرؤية تماماً أمام المتصارعين والحاكمين .. وهذا البند يعتبر أقوى بنود المذكرة على الاطلاق وأكثرها جرأة ووضوحاً الا أن أصحاب الاطارية هذه يعودون فى مذكرتهم ( وكما فعل أصحاب مذكرة الألف لتبرئة أنفسهم من تهمة التآمر على النظام عبر وسائل محظورة يمكن أن تجرم طرحهم ) ليؤكدوا بأنهم لأ بنتمون لأى جهة تسعى لاستلام السلطة عبر الجيش بل على النقيض من ذلك فهم يؤكدون خطآ هذا الطريق كما أنهم يقررون بأنهم لأ يحاكوا من خلال طرحهم الربيع العربى الا أنهم يعودون ليؤكدوا بأن ذلك لأ يعنى البتة ( التعامى ) عما يدور فى المنطقة العربية عبر الادعاء الكاذب بأن أسباب ثورات الربيع العربى من بطالة واستبداد و فساد غير موجودة فى الواقع السودانى .. وهذا شىء جديد جاءت به هذه المذكرة لم تتطرق اليه مذكرة الألف وهو ما يعنى الاقرار بأن المذكرة لم تستبعد فى طرحها اللجوء لذات الوسائل الثورية العربية للتغيير فى السودان ذلك بالرغم من محاولتها نفى ذلك .. وأخيراً تتفق المذكرة الاطارية مع مذكرة الألف فى ضرورة احياء الحركة الاسلامية بتعبير مثالى يقول ( اننا ننادى من خلال هذه الوثيقة باخراج الحركة الاسلامية واحيائها لتوفير البيئة الملائمة للمراجعة الأمينة والنقاش الحر تمهيداً لاستكمال البناء بعيداً عن الدولة ومؤسساتها وحزبها الحاكم .. ) .. وفى هذا الوصف الأخير للدولة و ( حزبها الحاكم ) ما يؤكد على رأى المذكرة وأصحابها فى الوضع الحكومى الراهن باعتباره وضعاً بعيداً عن أشواق الاسلاميين كما أن وصف المؤتمر الوطنى بالحزب الحاكم فيه انكار أكبر لارتباطه العضوى بالحركة الاسلامية ..

.. وأخيراً وان صحت أقوال أصحاب المذكرة الاطارية الأخيرة بشأن كون مذكرتهم هى المعبر الحقيقى عن الأفكار الاصلاحية للقاعدة الاسلامية أو لم تصح وان كان ما جاء فى مذكرة الألف الأولى هو بالفعل ما اجتمع عليه نفر من الاسلاميين ليكتبوا مسودة اصلاحية لواقع غير مرضى لجماهير الحركة الاسلامية .. أو اذا ما كان كل ما حدث حتى الآن لأ يعدو سوى بالون اختبار أطلقته الحكومة والمؤتمر الوطنى اما لدراسة حجم الأثر المتوقع أو لسحب البساط من بعض من تظنهم يخططون لشىء مماثل .. فان نتاج كل ذلك على أى وجه كان سيعمل وبكل تأكيد على تحريك شىء ما على الساحة السياسية عامة وساحة الاسلاميين على وجه خاص .. هل هى الحمى .. ؟؟!! ..


ليست هناك تعليقات: