الثلاثاء، 17 يناير 2012

# الاسلاميون ومذكرة التصحيحيين الجدد .. قراءة أولى..!!


# الاسلاميون ومذكرة التصحيحيين الجدد .. قراءة أولى..!!
.. ( .. انها كما والحمى دخلت فى جسد الحركة الاسلامية ومن المستحيل خروجها منه الآن .. !! ) .. هذه كانت أولى كلمات الدكتور حسن الترابى التى أطلقها فى أعقاب نشر نص مذكرة العشرة منذ ما تجاوز الآن عقداً كاملاً من الزمان .. تلك المذكرة التى أدت بتفاعل ما جاء فيها الى انشطار الحركة الاسلامية التى استولت على الحكم فى منتصف العام 1989م عبر ما أعلنته ثورة للانقاذ الوطنى .. كان الحدث مدوياً ليس من باب غرابته كرأى مجموعة وجد طريقه الى التشكيل والصياغة ثم الاعلان عنه فى ظروف عاصفة وملتهبة بحرب ضروس يزداد لهيبها ولا يخمد ولكن من وجهة أن ما جاء بالمذكرة قد قذف به الى وجه الزعيم التاريخى للحركة الاسلامية وهو فى أوج قوته ونفوذه وفق ما كان يترآى للعامة وبعض من أهل الخاصة وأياً ما خرجت به تأويلات الأمر فيما بعد فان ما حدث آنذاك قد مثل قياساً لما ترتب عليه من أحداث وتطورات على الأوضاع الداخلية للحركة الاسلامية الحاكمة وكذا على الحالة السياسية السودانية على وجه عام .. ما يمكن أن يطلق عليه الآن نقطة تحول كبرى قادت الى مرحلة جديدة وواقع جديد .. الآن وبصدور مذكرة الاسلاميين الجديدة التى يمكن تسميتها بمذكرة ( التصحيحيون الجدد ).. هل تستشرف الحركة الاسلامية مرحلة جديدة من تاريخها بمثل ما حدث لها عقب صدور المذكرة الأولى .. وهل تستشرف الحالة السياسية العامة تبعاً لذلك واقعاً جديداً ينقل البلاد الى مرحلة جديدة من تاريخها السياسى المعاصر فى ظل متغيرات سياسية اقليمية قوية أطاحت والى الآن بثلاثة أنظمة سياسية عربية قوية فيما تترنح أخرى وتكاد تسقط الآن قى شام العرب ويمنها .. ؟؟ ..
.. وبالرغم من وجود اختلافات جوهرية بين المذكرتين فى عدة جوانب قد تكون معلومة للجميع الا أن كلتاهما قد اتفقتا على شىء واحد .. الاصلاح والتغيير لواقع جديد يتجاوز واقع معاش غير مرضى لمن يطالبون بالتغيير وهذا هو أكبر شىء تتفق حوله المذكرتان كما أن أكبر ما تختلفان فيه هو أن المذكرة الأولى قد خرجت بما خرجت يه وبأسماء أصحابها الموقعين والمعلنين هكذا من داخل مؤسسة الحزب ذلك حتى وان دبر أمرها بليل الا أنها وبطريقة أو بأخرى عرضت على من اجتمعوا لأجل تمريرها وقد مرت كيفما أرادوا لها أن تمر .. أما المذكرة الثانية هذه فانها تخرج الآن من مجموعة أرادت أن تكون مجهولة ولو الى حين تعبر فيه الأفكار التى جاءوا بها فضاء الصدمة والدهشة الى منطقة آمنة تبدأ فيها العقول تستوعب ما جاءت به أو على الأقل تبدأ فى التعاطى معه بعقلانية وهدوء بعيداً عن ردة الفعل المضاد وربما الحازم والعنيف برفضه القاطع لها وهو ما قد يؤدى لاجراءات ان لم تكن مباشرة ضد من صاغوها فانها حتماً ستكون اجراءات صامتة يعزل فيها المتورطون بأفكارهم وعباراتهم الناقدة للتجربة والمنادية بالتغيير وربما يتم اقصاء آخرين منهم من مواقعهم أو يتم التضييق على بعضهم فى رزقه وعمله .. ربما هكذا فكر أصحاب هذه المذكرة التى يمكن رصد أهم ما تعلق بشكلها فى عدة نقاط أهمها أنها كتبت بعناية فائقة وتدقيق كبير فى اختيار القاموس التعبيرى لكلماتها فكان أن أستخدمت الكلمة الهادئة والعبارة الرصينة والرأى الملتصق قدر الامكان بالمنطق المدلل عليه باشارات عقلانية غير محتقنة بموقف صاحبها الطارح لها .. هذا فيما جاء محتوى المضمون نفسه على منهج أشبه ما يكون بالمنهج الوصفى التحليلى وان خلت المذكرة من الجهد التحليلى المشبع ذلك مع استخدام الأسلوب العلمى الذى يتميز عن بقية الأساليب المنهجية الفكرية بخصائص عديدة أهمها على الاطلاق الموضوعية التى تعنى هنا أن الباحث بلتزم فى بحثه المقاييس العلمية الدقيقة ويقوم بادراج الحقائق والوقائع التى تدعم وجهة نظره وكذلك الحقائق التى تتضارب مع منطلقاته وتصوراته وهو بالفعل ما قام به أصحاب هذه المذكرة ليؤكدوا على حيادية طرحهم وعدالة حكمهم فقسموا مذكرتهم الى ثلاثة محاور رئيسية .. ايجابيات التجربة خلال الاثنى وعشرون عاماً الماضية وقد حددوها فى ست محاور رئيسية .. أولها استلام السلطة فى العام 1989م وكما جاء بالمذكرة ( بدون تردد ) كما وسبق وان ترددت حركات اخرى فى ذلك مما أدى ووفق وصف المذكرة الى فقدان الأمة الاسلامية زمناً غالياً فى جعل السلطة بهذه البلدان فى يد غير امينة كما وثمنت هذا العمل باعتباره قد قطع الطريق امام محاولتين انقلابيتين بعثية حقودة ومصرية – امريكية عميلة – كما جاء بالمذكرة – هذا بجانب قطع الطريق امام الصليبيين لضمان عدم تكرار ما حدث فى زنجبار والأندلس عبر مسمى السودان الجديد بقيادة قرنق وحركته .. ومضت المذكرة لتعدد الايجابيات فى تقديم القيادات والقواعد المتجردة والموصوفة بالكفاءة بجانب تحقيق تجربة اقتصادية ناهضة وحقيقية فى كافة المجالات مع تأهيل القدرات العسكرية للقوات المسلحة بقدرات عالية وأخيراً النجاح فى ايقاف حرب الجنوب .. وهذه الحسنات الست التى أوردتها المذكرة قدم لها أصحابها أولاً بشىء هام جداً وهو التأكيد على أن الاستيلاء على السلطة فى 1989م كان فعلاً مبرراً ولازماً لانقاذ البلاد وأمة السودان المسلمة ويبدو أن هؤلاء أرادوا عبرهذا التأكيد المتقدم فى صدر المذكرة تثبيت مبدأ وحقيقة عدم انتمائهم لاى افكار اسلامية متطرفة باتت تنكر الآن على الحركة الاسلامية حركتها العسكرية فى 1989م والاشارة هنا واضحة وجلية للدكتور الترابى وحزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه وان مارس هؤلاء ذكاءً حاداً فى هذه النقطة الا أن التأكيد المفرط عليها جعلها تبدو أقل قوة مما أرادوا لها كما أن تأييد المذكرة لاتفاقية نيفاشا قد حصنت أصحابها من تصنيفهم مع تيار اسلامى ظل رافضاً والى الآن الاتفاقية ونتائجها كما وأبعدت هؤلاء من مربع كان يمكن وصفهم فيه بالمتحجرين الرافضين للتعامل الموضوعى مع الحقائق والأحداث بارتباطاتها الاقليمية والدولية وهو امر ان حدث كان سيسقط المذكرة وأصحابها فى شرك وقع فيه آخرون قبلهم فتم تصنيفهم ب ( المتأخرين ) أو الذين هم ( خارج الشبكة ) وهو أمر كان سيسهل على الرافضين لها ركلها واخراجها سريعاً من دائرة اهتمام الساحة الاسلامية ولذلك فان وصف هذه المذكرة بالحصيفة يبدو أنه وصف يناسبها تماماً .. ثم تمضى المذكرة لتصل الى متنها وبيت فصيدها ليعدد أصحابها وفق ما يرون أحد عشر نفطة تمثل الفشل والتقصير و السلبيات خلال ذات الفترة أبرزها وأولها انفصال الحركة الاسلامية الشهير فى العام 1999م الذى وصفته المذكرة بوصمة فى جبين المشروع بما تبعه من هدم لقيم الاختلاف واذهاب لبريق ما تم انجازه هذا بجانب ما شاب التجربة من روح وصاية واقصاء الغير وعدم استصحاب الآخر خاصة فى البدايات الأولى للانقاذ ( وقد مثلت هذه النقطة فى المذكرة اعترافاً هاماً وذكياً يؤمن لها اتساع مساحة التأييد لها من مجموعات هامة ومؤثرة الآن فى المشهد السياسى الداخلى ) .. ومضت نقاط القصور لتستوعب المذكرة فكرة سيطرة العقلية الأمنية والتى غابت معها ملامح المشروع بوجهه الانسانى والحضارى وجاءت أحدى النقاط التالية هنا بضعف يبدو غير مقصود فى التعبير اذ ألمحت الى التناقض فى خطاب الانقاذ فجمعت بخلط غير مقبول بين الخطاب الاقتصادى فى جانب سياسة التحرير الافتصلدى التى اختزلتها فى جانب التعامل مع النقد الأجنبى لتلصق معه محاولة النظام الانتقال من نظام شمولى الى نظام ديمقراطى تعطى فيه الأحزاب والكيانات السياسية حرية النشاط والتعبير معتبرة هذا الأمر قد تسبب فى اظهار تجربة الانقاذ بدون برنامج فقط وكما جاء فى المذكرة ( رزق اليوم ياليوم ) وان كان هذا الوصف الأخير صحيحاً الا أن ربط الأمرين ببعضهما جاء بركاكة وضعف كما أن وصف المذكرة لمحاولة الانقاذ الانتقال الى حالة انفراج سياسى كان يمكن اضافتها لبعض المحاولات الايجابية لتكون النقطة السابعة فى النقاط المحسوبة ايجاباً للتجربة أو انتقادها اذا أراد أصحاب المذكرة على وجه آخر يتعلق بمستوى الجدية وصدقية النوايا من جانب الحكومة لأ بمبدأ الاتجاه نفسه للتغيير للأفضل وهو ما يتعارض مع ما جاءت به المذكرة فى آخرها تجاه رؤيتها للحل السياسى .. ونمضى المذكرة لتتحدث بشجاعة مطلقة عن الفساد والمحسوبية والرشوة بمثل حديثها عن الفقر ومعدلاته المتزايدة وكذا المعدلات الكبيرة للبطالة بالرغم من مشروع ثورة التعليم العالى المطروح منذ أكثر من عشرين عاماً وتمس المذكرة حالة النعرات القبلية والجهوية التى وصفتها ب ( المزعجة ) وهو وصف مخفف كان يمكن للمذكرة أن تستبدله بوصف أقوى يناسب حجم المشكلة وخطورتها التى أدت للاحتراب والتقتيل بمثل ما أوصلت الوطن أخيراً الى انشطار جغرافى وديمقرافى محزن .. واختتمت المذكرة سيئات التجربة بقضية دارفور التى قالت بأنه قد صاحبتها أخطاء أرتكبت فيها مما أدى لادخال البلاد فى مشكل كبير كان يمكن وكما قدرت المذكرة تفاديه ب ( قليل ) من الترتيب وعدم التسرع بالرغم من التآمر الذى أمسكت عن وصفه و بالرغم من رجاحة الوصف والتشريح هنا على اقتضابه الا أنه بدا للبعض تبسيطاً مخلاً كان يمكن ( تفاديه ) بذات تعبير المذكرة نفسها .. ومضى ( التصحيحيون الجدد ) فى مذكرتهم ليقدموا مخرجات حلولهم ومقترحاتهم فى رؤية مطالبين المؤتمر الوطنى بتبنيها والسعى لها وقد ربطوا ذلك بتحقيق أمرين أساسيين .. الأول التحقق من شبهات الفساد وحسمها والثانى تحقيق العدالة الاجتماعيىة والسياسية الشاملة بجانب مواصلة برنامج الأسلمة وتطبيق الشريعة الاسلامية فى المجتمع دون تردد أو وجل ( كما جاء الوصف هنا ) مع دعم العمل الدعوى وتشكيل آلية عدلية فاعلة عبر القضاء لتتصدى للفساد والعمل على التحول السياسى المعافى عبر صناديق الاقتراع مع وضع دستور دائم يقبله الجميع والمضى سريعاً لاستقلالية القضاء بعيداً تماماً عن السلطة التنفيذية مع تحييد اجعزة الدولة وفك الارتباط العضوى بين المؤتمر الوطنى كحزب واجهزة الدولة مالياً وادارياً ووضع برامج فكرية وتربوية مكثفة مع وضع ضمانات لعدم بقاء القيادات لمدد طويلة فى مناصبها وكذا رفع الحس العام تجاه المال العام وأخيراً استحداث مكاتب حسبة داخل المكاتب التنظيمية للمؤتمر الوطمى لضيط العضوية .. كانت هذه هى محاور المذكرة الثلاثة وقد خرجت على هذا الوجه و الأسلوب العلمى الذى يوحى بأن من أوكلت لهم أو له مهمة صياغة الأفكار وضبطها لتخرج فى شكلها النهائى كمذكرة تصحيحية .. هؤلاء الأشخاص أو هذا الشخص ( ان كان من صاغها واحداً فقط من المجموعة ) هو بلا شك شخص مولع باستخدام الأساليب والمناهج العلمية فى ممارسته الكتابة أو التأليف وربما تكون له صلة مباشرة بفضاء أكاديمى أو بيئة أكاديمية للحد الذى خرجت فيه المذكرة أشبه ما تكون بنتائج بحث أكاديمى جيد فى مدخلاته ومخرجاته وكذا فى بنائه وطرحه .. وكل هذه العناية تعنى بأن الأمر لم يخضع لانفعال لحظى أو ردة فعل غاضبة من أمر أو لآخر بقدر ما تشير الى تدبر وتريث وتمحيص وهو ما يدفع بالظن الى نموء هذه الأفكار عند أصحابها يوماً بعد يوم و خلال فترة طويلة الى أن أخرجتها ظروفاً ما تهيئت أو ساعدت فى صياغتها ومن ثم نشرها والاعلان عنها ..
.. ولعل من نضج القول بأن معرفة من وراء هذه المذكرة فى أصله ليس أمراً جوهرياً على أهميته وضرورته طالما أن الأفكار تقاس أصلاً بما تحتويه وما جاءت به ولكن السؤال الهام هنا يقول .. الى أى حال ستنتهى هذه المذكرة .. هل سيتلاشى أمرها وتنسى دون أن تحدث شيئاً مؤثراً وهو ما يعنى فشلها أم سيحدث عكس ذلك نماماً قتتفاعل ساحة الاسلاميين بما جاء فيها وتبدأ قطاعات الحركة الاسلامية فى مناقشة أفكارها وتطويرها لمواقف وربما أحداث مباشرة .. ؟؟!! ..

ليست هناك تعليقات: