الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

# من سفيان الثورى الى هارون الرشيد .. !!

.. درجت ومنذ وقت غير قصير على تنويع المساجد التى أصلى فيها صلاة الجمعة وقد استقر بى الحال مع أحد زملاء الدراسة القدامى ليكون رفيقى ( الأسبوعى ) .. يهاتف أحدنا الآخر مساء الخميس لنتفق على المسجد الذى نصلى فيه الجمعة وكثيراً ما عجزت وصديقى عن تحديد المسجد وتركنا الأمر هكذا للقدر يأخذنا حيث كتب لنا الله أن نصلى وفى مرات عديدة كنا نجد نفسينا فى مسجد بسيط وأمامنا أمام مغمور تحدثك نفسك بتواضعه وتواضع علمه وفقهه ولكن وما أن ينطلق حديثه حتى كنا نفاجأ بعالم خطير وخطيب مفوه بليغ العبارة وغزير العلم .. وعلى عكس ذلك فكثيراً ما خاب ظننا فى أحدهم وقد هاب الناس صورته وهندامه أو آخر زاع صيته وملئت شهرته الآفاق .. وعلى كل فانى أشعردوماً بتجديد مفيد وارتياح كبير فى كل جمعة أصادف فيها وصديقى خطبة ذات قيمة وأثر بمثل ما أراد الله تعالى لهذه الأمة لأن تجدد ايمانها وتبعث همتها فى هذا اليوم العظيم .. وفى الأسبوع الماضى كتب لنا الله أن نصلى الجمعة فى مسجد فى احد أحياء الخرطوم الراقية التى كثيراً ما هربنا منها الى الأطراف والضواحى .. فبدأ الامام خطبته بالحديث عن أمة الاسلام المتناصحة التى لا تخشى فى قول الحق وابداء النصيحة لومة لائم وما لبث أن استشهد بقصة بطلاها كلاً من الخليفة هارون الرشيد الذى حاول بعضهم تشويه تاريخه والفقيه الزاهد سفيان الثورى .. لا أخفى عليكم فقد فوجئت بالقصة التى لم أقف عليها من قبل .. حبس الجميع أنفاسهم وهم بستمعون للامام الشاب الذى مضى وفى أسلوب قصصى رائع وبما تمتع به من صوت فوى وجميل يروى القصة بين هارون وسفيان :

.. ذكر الإمام ابن بلبان والغزالي وغيرهما : أن الرشيد لما ولي الخلافة زاره العلماء بأسرهم إلا سفيان الثوري ، فإنه لم يأته ، وكان بينه وبينه صحبة ، فشق عليه ذلك ، فكتب إليه الرشيد كتاباً يقول فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
( من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري أما بعد يا أخي فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك ولم اقطع فيها ودك واني منطو لك على أفضل المحبة وانه لم يبق أحد من إخواني وإخوانك إلا زارني وهنأني بما صرت إليه وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم المواهب السنية بما فرحت به نفسي وقرت به عيني وقد استبطأتك وقد كتبت كتاب مني إليك أعلمك بالشوق الشديد إليك وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤ من ومواصلته فإذا ورد عليك كتابي هذا فالعجل العجل .. ) ..
وأعطى هارون الكتاب إلى احد رجاله ويدعى عباد وأمره بإيصاله إلى سفيان الثوري وان يحصي عليه بسمعه وقلبه دقيق أمره وجليله ليخبره به ..
قال عباد :
(.. انطلقت إلى الكوفة فوجدت سفيان في مسجده فلما راني قام وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم واعوذ بك اللهم من طارق لا يطرق إلا بالخير فنزلت عن فرسي بباب المسجد فقام سفيان يصلي ولم يكن وقت صلاه فدخلت وسلمت فلم يرفع أحد جلسائه رأسه إلي فبقيت واقفاً وما منهم من أحد يعرض علي الجلوس وقد علتني من هيبتهم الرهبة فرميت إليه الكتاب فلما رآه ارتعد وتباعد عنه كأنه حيه عرضت له في محرابه فركع وسجد وسلم وادخل يده في كمه وأخذه وقلبه بيده ورماه إلى من كان خلفه وقال : ليقرآ بعضكم فاني استغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده - فمد بعضهم يده إلى الكتاب وهو يرتعد ثم قرأه فجعل سفيان يبتسم تبسم المتعجب فلم فرغ من قراءته قال : اكتبوا للظالم على ظهره فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة فقال اكتبوا له في ظهره فان كان اكتسبه من حلا ل فسوف يجزأ به وان كان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به ولا يبقى شيء مسه ظالم بيده عندنا فيفسد علينا ديننا فقيل له : ما نكتب إليه؟

قال سفيان الثوري اكتبوا إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

( .. من العبد الميت سفيان إلى العبد المغرور بالآمال هارون الذي سلب حلاوة الإيمان ولذة قراءة القران ,أما بعد فاني كتبت إليك أعلمك إني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وانك قد جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك فيما هجمت على بيت مال المسلمين فأنفقته في غير حقه وأنفقته لغير حكمه ولم ترضى بما فعلته وأنت ناء عني حتى كتبت إلي تشهدني عليه فأما أنا فقد شهدت عليك وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة غداً بين يدي الله الحكم العدل .. يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم .. ؟ هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضي بذالك حملة القران وأهل العلم أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل أم رضي بذالك خلق من رعيتك .. ؟ فشد يا هارون مئزرك واعد للمسأ لة جواباً والبلاء جلباباً واعلم انك ستقف بين يدي الحكم العدل فاتق الله في نفسك يا هارون إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القران ومجالسة الأخيار ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً وللظالمين إماماً وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك يظلمون الناس ولا ينصفون ويشربون الخمر ويحدون الشارب ويرتشون ويحدون الزاني ويسرقون ويقطعون يد السارق ويقتلون القاتل أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس ..
فكيف بك يا هارون غداً إذا نادى المنادي من قبل الله الحكم العدل المنتقم الجبار احشروا الظلمة وأعوانهم فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك والظالمون حولك وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المساق والتفت الساق بالساق وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلاء على بلاء وظلمة فوق ظلمة فاتقى الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمداً في أمته واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك وكذالك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد فمنهم من تزود وزاد نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فاني لا أجيبك والسلام .. (

يقول عباد رسول الرشيد إلى سفيان : وألقى الكتاب منشوراً من غير طي ولا ختم ، فأخذته وأقبلت به إلى سوق الكوفة ، وقد وقعت الموعظة بقلبي فناديت : يا أهل الكوفة من يشتري رجلاً هرب إلى الله ؟ فأقبلوا إلي بالدراهم والدنانير ، فقلت : لا حاجة لي بالمال ، ولكن جبة صوف وعباءة قطوانية ، فأتيت بذلك ، فنزعت ما كان علي من الثياب ، التي كنت أجالس بها أمير المؤمنين ، وأقبلت أقود الفرس الذي كان معي ، إلى أن أتيت باب الرشيد حافياً راجلاً ، فهزأ بي من كان على الباب ثم استؤذن لي ، فلما رآني على تلك الحالة ، قام وقعد ، وجعل يلطم رأسه ووجهه ، ويدعو بالويل والخراب ، ويقول : انتفع الرسول وخاب المرسل ، ما لي وللدنيا ، والملك يزول عني سريعاً . فألقيت الكتاب إليه مثل ما دفع إلي ، فأقبل يقرؤه ودموعه تنحدر على وجهه ، وهو يشهق فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، قد اجترأ عليك سفيان ، فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد ، وضيقت عليه السجن ، فجعلته عبرةً لغيره . فقال هارون : ( .. اتركوا سفيان وشأنه يا عبيد الدنيا ، المغرور من غررتموه والشقي والله – حقاً – من جالستموه ، وإن سفيان أمَّة وحده .. ) ولم يزل كتاب سفيان عند الرشيد يقرؤه دبر كل صلاة ويبكي ، حتى توفي - رحمه الله تعالى,
.. انتهت الخطبة أيها السادة قأستووا وأستقيموا يرحمكم الله ..
.

ليست هناك تعليقات: