# مع حمى الأسعار والدولار.. بين أهل السياسة وأهل الاقتصاد .. !!
.. لن يختلف اثنان ومهما بلغت درجة عدم اتفاقهما حول ما استطاعت حكومة ما بعد الثلاثين من يونيو 1989م انجازه من تطور اقتصادى كبير على مستوى البنيات الأساسية التى يقوم عليها البنيان الاقتصادى الحديث بدءً من بناء الطرق والجسور والسدود ومشروعات المياه الكبرى انتهاءً بالجهد المقدر فى مشروعات مياه الشرب وخدمات الامداد الكهربائى المائى والحرارى وكذا الخدمات الطبية والعلاجية والأرقام الكبيرة فى مجال التعليم العام والعالى بجامعاته ومؤسساته التعليمية التى انتشرت بطول البلاد وعرضها مع قيام بعض الصناعات الثقيلة كصناعات الحديد والصلب والتجميع للمتحركات والسيارات والآلات الزراعية وأخيراً صناعات الأسمنت ومواد البناء الأخرى بجانب العديد من الصناعات الغذائية والكيماوية وبعض الصناعات الدوائية هذا فضلاً عن النجاح الأكثر أهمية والمتمثل فى استخراج النفط وتصديره بما أنعش ولحد ما حركة الاقتصاد السودانى وساهم فى تطور النمط المعيشى لبعض الشرائح المجتمعية بجانب تأثر الشرائح الأخرى التى تمثل الغالبية العظمى من المجتمع بشكل أو بآخر بهذا التطور سواءً على نحو مباشر أو غير مباشر أو على نحو ايجابى كامل أو سلبى كامل أو بشىء من الجانب السلبى والآخر الايجابى .. فهنالك جديد على كل حال أصاب المجتمع كله خلال العقدين الماضيين اللذين يمثلان عمر هذه الحكومة .. الا أن المعيار الأساسى الذى ظل يحاصر هذه النجاحات فى درجة قيمتها الحقيقية انصب دوماً فى النظر الى مردود كل ما انجز على حياة المجتمع ومعيشته .. فهل نجح اقتصاديو ثورة الانقاذ الذين جاء بهم التغيير السياسى فى العام 1989م فى احداث فارق حقيقى فى الاقتصاد السودانى .. ؟؟ .. ان كانت الاجابة نعم .. فما هى الاجابة المثالية على السؤال الذى يبحث على قيمة ما تحقق لحياة الشعب السودانى المعيشية والاجتماعية من هذه النجاحات .. ؟؟!! ..
.. وحيث تصعب الاجابة على هذا السؤال هكذا على نحو مخل ببساطته وربما قصوره فان تتبع الأمر بتاريخه القريب والجلى بأحداثه ربما ساعد فى الخروج بما هو موضوعى ومقبول لمن أراد الوقوف على الأمر بمهنية قارئة لتلك الأحداث والتطورات التاريخية .. نعم جاء أهل الانقاذ فى ظل ظرف أمنى وآخر اقتصادى قاسى وصعب بفعل الحرب الضروس التى كانت مشتعلة بالفعل بين قوات الجبش السودانى وقوات الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق وهو الوضع الذى استمر لفترة أخرى دخلت بعدها البلاد فى مأزق حرب الخليج الثانية والتى أفضت بدورها وتبعاً للموقف السودانى الرسمى منها الى حصار اقليمى عربى ما لبث أن تشكل كحصار دولى بفضل جهود عربية مناوئة فى ذلك الوقت لعبت فيه مصر مبارك دوراً كبيراً انعكاساً لموقف النظام المصرى من حكومة الخرطوم الاسلامية آنذاك بقيادة البشير – الترابى .. ولغرابة الأمر فقد استمر الصمود السياسى والعسكرى والأمنى لحكومة الانقاذ وبالرغم من هذه الظروف العسكرية الضاغطة داخلياً والحصار السياسى والاقتصادى الخارجى الى نهاية عقد التسعينات لتفاجىء الخرطوم العالم باعلانها تصدير أول شحنة من البترول السودانى فى العام 1999م كثمرة للتعاون الاقتصادى مع الشرق والصين على وجه خاص لتبدأ من ثم حقبة جديدة بخروج الدكتور الترابى من حكومة ( البشير – على عثمان ) بعد الانقسام الشهير فى رمضان من ذات العام 1999م ولتتجه الخرطوم للاستفادة من هذا الخروج لزعيمها استفادة كبيرة وضخمة حيث سرعان ما استعادة علاقاتها العربية والأفريقية مع تحقيق شىء من الانفراج السياسى مع الخارج الأوروبى .. الى هنا والأداء الذى قام به أهل الانقاذ و الحامل لهذه النجاحات يبدو سياسياً أكثر من كونه نتاجاً لأداء اقتصادى عبر كوادر اقتصادية قدمت فعلاً أو أخرت آخر .. وحتى فرارات التحربر الاقتصادى ( التى تختنق الآن ) والتى جنبت حينها الوضع الاقتصادى ازمات الندرة والغلاء كان قرارها سياسياً وان جاء على لسان وقلب السيد عبدالرحيم حمدى .. والمتابع لما نورده هنا يلحظ بأن الأداء السياسى ورغم أخطائه الكبيرة والخطيرة ( التى شاركت هى الأخرى فى انهزام التطور الاقتصادى الانتاجى الحقيقى بالبلاد منذ يونيو 1989م ) سواءً يغبائه فى أحيان أو ذكائه فى أحايين أخرى هو الذى استطاع صنع تلك السوانح التى عبرت بالنظام الانقاذى عثراته التى مر بها بل أن التوجه للشرق والصين لم يكن قراراً اقتصادياً من اقتصاديين بعينهم بل نبع وخرج من سياسيين ومن الدكتور الترابى منفرداً بل أن هنالك من الاقتصاديين المنتسبين للنظام كانوا قد تقدموا همساً مع بعض السياسيين باعتراض واضح لخطوة الاتجاه للصين بحجة عدم موضوعية الاعتماد على الموقف الصينى فى وجود السطوة السياسية والاقتصادية الأمريكية .. هنا القرار كان سياسياً لأ شك فى ذلك .. والمدهش أنه وبمرور الوقت وتعاظم دور النفط وعائداته و احتلاله لموقع المورد الأكبر للعملة الصعبة و المحرك الأساسى لنشاط الدولة السودانية .. لم ينبرى لمسرح الفعل الاقتصادى من الاقتصاديين من نجح فى تحويل هذا المورد من خانة السلعة الى خانة الطاقة المحركة للانتاج بحيث ظل دوره ضعيفاً لحد العدم فى تحريك القطاعات المنتجة خاصة الزراعية منها والتى كانت بتطورها ستدفع بالقطاعات الصناعية وخاصة الصناعات التحويلية الغذائية دفعات كبيرة ومن المدهش بحق أن تعجز الحكومة وطوال تلك الفترة عن تقديم اقتصاديين لساحات الانتاج ليظل مثلاً مشروع كمشروع الجزيرة الذى يعتبر أكبر مشروع زراعى فى العالم أجمع يدار بادارة ونظام واحد وبروى برى انسيابى غير مكلف ( فقط بقدر الله ورحمته وفضله ) وطوال أكثر من عشر سنوات منذ دخول عائدات البترول فى ذات مراحل عجزه وتأخره عن دخول دائرة الانتاج الزراعى الحقيقى .. ليس مشروع الجزيرة وحده .. عشرات المشاريع الزراعية بالسودان لم تستفد البتة من عائدات النفط حتى عندما بلغ سعره لأعلى مستوياته طوال تاريخه .. !! .. ولعله من المضحك المبكى أن تعلن الآن ( فقط الأسبوع الماضى ) ولاية الخرطوم وبلسان واليها الدكتور عبدالرحمن الخضر عن نيتها نزع الأراضى الزراعية غير المستغلة واعادة توزيعها لمن يستحق ولمن يزرع .. !! .. شىء عجيب .. بعد عشر سنوات تصحو الخرطوم وولاتها لأمر الزراعة وهى الولاية الوحيدة فى السودان الذى تجرى على أرضها ثلاثة أنهار ( الأزرق والأبيض والنيل الكبير بعد الملتقى ) .. ولاية بهذه المواصفات هى بلا شك ولاية زراعية ولكن عباقرتنا من الساسة والاقتصاديين أحالوها لغابات من الأسمنت والحديد عبر اجرء ( غبى ) لأزال مستمراً حتى الأن يسمى – تحويل الغرض من غرض زراعى الى غرض سكنى - .. !!!! .. تحولت معه ثلثى مساحة الخرطوم الزراعية لمناطق سكنية حتى لم يبقى للولاية سوى مشروعين فقط لما تسميه ب ( الأمن الغذائى ) والآن السيد عبدالرحمن الخضر يطالب لعودة الزمان الى الوراء .. !! .. ومن سيزرع الآن يا سيادة الوالى ومتى .. ؟؟ .. مع اتساع الأزمة المالية والغذائية الدولية اتجهت دول أوروبية كبرى الأن الى اعادة حساباتها فيما تملكه من مقدرات وموارد للانتاج الغذائى للحد الذى شجعت فيه احدى هذه الدول مواطنيها لزراعة الحدائق الخلفية لمنازلهم بما يحتاجونه من خضروات .. !!.. من يصدق هذا ونحن والى نهار هذا اليوم نوقع القرارات القاضية بتحويل الأرض الزراعية لسكنية .. شىء عجيب والله يا سيادة الوالى الدكتور .. !! .. أين مشروعات التسمين الحيوانى لماذا لم نفلح حتى الآن فى اقامة مشروعات الحيوان الكبرى ولا زلنا نعتمد على المنتج التقليدى فى الصحارى والوديان .. رأيت يأم عينى مشروع أردنى لانتاج الضأن بولاية نهر النيل أقامه الجبش الأردنى ليضمن تزويده باللحوم السودانية ( مشروع ضخم بحكم الموجود الآن لدينا فى هذا القطاع الهام ) .. هذه المشروع يدرك من يزوره حجم عجزنا وقصور ارادتنا .. لأ يحتوى غير مساحة مستوية لأ تزيد عن الخمسين فداناً ويسياج حائطى بسيط ورعاية بيطرية معقولة التكلفة ولأ شىء آخر .. ما الذى منعنا من اقامة عشرات بل مئات المشروعات الخاصة بتربية وانتاج الدواجن ومئات المشروعات الخاصة بتربية وتسمين الحيوان وما الذى منعنا من اقامة مثل ذلك من المشروعات الزراعية والبستانية عندما وصل سعر التركيز للنفط لأعلى مستوياته.. ؟؟ .. لأ أحد يملك اجابة هنا .. لأ سباسيين ولأ اقتصاديين .. !! .. والآن وبعد أن ذهب الجنوب ومعه ذهبت عائدات النفط وبعد كل هذا الفعل السياسى والاقتصادى الغريب نفاجأ ومن جديد بأننا فى طريقنا لأن نعيد الزمان الى حياتنا زمان الفقر و العوز .. هكذا بدأ السياسيون والاقتصاديون يتحدثون ويحذرون من واقع صنعوه لنا بأفعالهم هم وحدهم وأفكارهم هم وحدهم .. هل كان هؤلاء يعلمون ما ستؤول اليه الأوضاع عندما تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل فى نيقاشا فى يناير2005م .. ؟؟ .. الجميع هنا سياسيون واقتصاديون على خط واحد .. السياسيون صنعوا نيفاشا ووقعوا عليها والاقتصاديون شهدوها وساهموا قى صنعها واخراجها .. الأمر يبدو أقرب للخيال .. والآن سعر الصرف للدولار يقفز هكذا أمام الجميع ليصل لخمسة جنيهات والبعض يراهن على وصوله الى ستة بل الى سبعة جنيهات عما قريب .. !! .. اذاً بماذا تحوط لنا هؤلاء من السياسيين والاقتصاديين .. الساحة المتعاطية مع ما يحدث بدت وكأن الحمى قد لعبت بوعيها .. هنالك من يقول بأن أسباب ارتفاع الدولار تعود لمضاربات السوق .. جهات رسمية تقول بأن السيب هو دخول أموال من الجنوب اشترت كميات كبيرة من الدولار .. !! .. ده كلام يا أخوانا .. ؟؟ ..( انتو عايزين تجننونا .. ؟؟ ..) .. شىء مدهش .. اذاً وان صح هذا الأمر أين ذهبت تلك التصريحات التى أكدت السيطرة على الحود والمنافذ والموانىء لمنع هذا الأمر .. ؟؟ .. وحالة الحمى المتصاعدة الآن ذهبت بظن البعض من قبل بامكانية أن تحل واردات الذهب محل عائدات النفط وهى ذات الحمى التى بتحدث بها البعض الآن عن الصمغ العربى وهى ذات الحمى التى يعانى منها شخصى الضعيف وظنى وخيالى لا زالا يلحان على بوجود آبار نفط بالشمال جاهزة الآن للضخ ورفع الغطاء عنها تماماً كا يرفع ( الطبق ) عن ( صينية الطعام ) ايذاناً ببدء تناوله بواسطة من يتحلقون حوله .. !! .. اللهم أجعله خير وأجعله حقيقة ..
.. ومع ما نشهده الأن وما نكتويه من حمى الأسعار والدولار من يمكن أن نلوم .. أهل الاقتصاد .. أهل نرعة كنانة والرهد وطلمبات الحرقة ونورالدين الذين أضاعوا علينا فرصة الخلاص من زمان الفقر ومربع العوز .. .. ؟؟ .. أم أهل السياسة ( أهل نيقاشا ومشورة النيل الأزرق وجنوب كردفان ) .. من الأغبياء بيننا يا قوم .. ؟؟ !! .. اللهم انا لأ نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق