# الترابى فى مصر.. ودخلناها بحمدالله آمنين.. !!
.. لم يعرف التاريخ السياسى السودانى الحديث خصومة سياسية لزعيم سياسى سودانى مع نظام دولة عربية بمثل ما شهدت العلاقة بين الدكتور حسن الترابى الزعيم التاريخى المؤسس لكيان الاسلاميين الجديد المنشق عن تنظيم الأخوان المسلمون والنظام المصرى السابق بقيادة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ذلك للحد الذى وقفت فيه القاهرة عندما كان الترابى ماسكاً بكلتا يديه على دفة الحكم على موقفها الصارم ضد حكومة الانقاذ على كافة المستويات المحلية والاقليمية والدولية راهنة أى تغيير ايجابى تجاه تحسين مواقفها وبالتالى تغيير سياساتها تجاه الخرطوم بتغيير يطيح بالرجل على أى صورة كانت أو أى سيناريو كان .. المهم أن يزاح الترابى وبقصى على أسرع ما يمكن من المنصة الحاكمة بالسودان .. هذا ان ارادت حكومة الانقاذ تجنب استمرار موقف القاهرة الرافض لوجود الرجل وكذا ان أرادت تطبيع علاقاتها الاقليمية مع بقية الدول العربية وبالتالى دول العالم خارج المنطقة وعلى نحو خاص الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وكان الأمر هنا يبدو للقاهرة موضوعياً حيث كان نظام مبارك والى تلك الأيام يرى بأنه هو المشكل لعلاقات السودان الآقليمية والدولية بما يجعله البوابة الوحيدة أمام الخرطوم لعبور أى محفل كان عربى أو أفريقى أو دولى ..
.. وخصومة الترابى مع النظام المصرى السابق بدأت منذ اللحظة الأولى التى أدركت قاهرة مبارك بأن الرجل قد قام بخداعها خدعة كبيرة تكاد بحنكتها وفى ذات الوقت بساطتها تمثل فضيحة لنظام طالما ادعى امتلاكه لقدرات استخباراتية كبيرة تجعله حاضراً فى كل غرفة جلس فيها اثنان يتحدثان سواءً عن السودان أو غيره من دول المنطقة الأفريقية والعربية ويبدو أن النظام المصرى السابق كان فى هذا يتوشح بتاريخ قديم استطاعت فيه الأجهزة الاستخباراتية المصرية مستفيدة من كافة الظروف السياسية حولها باعتبارها دولة المواجهة الأولى مع اسرائيل وانتخاب العرب لها خلال الفترة الناصرية والساداتية كدولة المبادرة العربية السياسية الأولى معطين لها تفويضاً سياسياً شبه كامل للحديث باسم الموقف العربى السياسى بل والعسكرى أيضاً الذى يحدد متى تكون الحرب ومتى تكون ساعة الصفر فيها .. كان هذا أيام عبدالناصر وبشكل أكثر قدرة فى عهد الراحل أنور السادات بطل العبور العربى .. وجاء نظام مبارك ليخرج برؤاه القاصرة مصر من افريقيا بما أدى لانسحابها الكامل من موقعها القديم المؤثر فى مواقف الدول الأفريقية التى وبفضل الأنظمة المصرية قبل مبارك بقيت على مواقفها المؤيدة للحق العربى ورافضة التطبيع مع اسرائيل بما مثل شراكة سياسية عربية – افريقية ناجحة .. وتراجع الدور المصرى هذا الذى تسبب فيه نظام مبارك أضعف القدرات الاستخباراتية المصرية فى افريقيا وبالتالى فى السودان بالرغم من أنه البلد الذى يمثل بحكم العقيدة السياسية المصرية العمق الأمنى الاقتصادى والعسكرى بل والسياسى أيضاً .. وفى السودان وفى هذه الأثناء كان هنالك رجل اسمه الترابى يقرأ هذه التطورات وينسج عليها ما يخطط وما يسعى اليه بذهنية مدهشة مفرطة فى الطموحات والآمال .. وبالفعل استطاع الترابى خداع الاستخبارات المصرية بل وخداع نظام مبارك بكل تشكيلاته السياسية والأمنية والعسكرية ذلك عندما قام الرجل باستلام السلطة فى 30 يونيو من العام 1989م مقدماً وجوهاً قيادية لقيادة النظام الجديد لم تشك القاهرة لحظة بأنهم من أبناء الترابى وحيرانه ومؤيديه فبينما ذهب القائد الجديد للقصر رئيساً ذهب الترابى للقصر كما ذكر لاحقاً حبيساً .. وأطلقت القاهرة حينها زغرودة فرحتها بذهاب حكومة الصادق المهدى بالرغم من مشاركة الحزب الاتحادى الديمقراطى صاحب العلاقة التاريخية المتميزة مع مصر فى الحكم فقد رأت مصر فى تلك الحكومة ضعفاً كبيراً يوشك أن يتحول الى مشهد آخر اذا ما قفز على السلطة من لأ ترغب فى وصوله اليها وهو ما يؤكد ضعفها الاستخباراتى فى السودان آنذاك فهى حينها لم تكن تملك قراءة واضحة لما يدور بالسودان ولذلك ما كانت تدرى ما يمكن أن يحدث فى أية لحظة فى ذات الوقت الذى مثل الصادق المهدى للقاهرة حينها حالة من القلق بعلاقاته الجامحة مع ايران وليبيا .. أطلقت القاهرة زغرودتها وبعثت لواشنطن تطمئنها بأن من استلم السلطة فى السودان هم كما خرجت العبارة المصرية ( أولادنا ) .. الترابى من أولاد مصر .. !! .. يقهقه الرجل ساخراً فى زنزانته التى جمعته مع رصفائه السياسيين فى سجن كوبر .. !! .. المهدى يراقبه بشك والميرغنى بحذر وزعيم الشيوعيين محمد ابراهيم نقد بدا حينها وبعد مضى يومين فقط على قناعة بأن الترابى قد فعلها بالفعل حتى أنه مازحه فى اليوم الثالث قائلاً له ( كفاية أخرج يا شيخ حسن جاملتنا كفاية .. ) .. كان نقد ولا يزال الأقرب الى فهم دهاء الترابى ولكنه عجز فى تلك الأيام عن فهم التكنيك السياسى والأمنى الذى غطى به الرجل حركة 30 يونيو الا أن هذا لأ ينفى أبداً أن زعيم الشيوعيين قد توصل فى يومين فقط وبفضل حساسيته المفرطة تجاه تحركات الترابى الى ما عجز الوصول اليه نظام مبارك بمصر لسنتين كاملتين أعلنت بعدها قاهرة مبارك بطلان النظام السودانى الجديد وأسمته تحالف ( البشير – الترابى ) ومنذ تلك اللحظة سعت لانهياره وزواله بل وحددت الثمن واضحاً لأى تغيير جديد فى مواقفها من نظام الخرطوم برمته .. ذهاب الترابى .. هذا هو الثمن .. وأذكر أننى وفور حدوث مفاصلة الاسلاميين الشهيرة والتى أعلن الترابى فيها خروجه من سلطة البشير قد ساعدتنى الصدفة وحدها فى اجراء حوار تلفزيونى لصالح تلفزيون السودان مع السفير المصرى حينها محمد عاصم ابراهيم الذى كان الهمس يدور فى الخرطوم يشدة حول ارتباطه بالاستخبارات المصرية بحكم تاريخه وعمله سفيراً فى دول افريقية مجاورة ويبدو أن نقله للسودان واذا ما صحت تكهنات أولئك الهامسين قد جاء لمعالجة آثار الفضيحة التى تعرض لها جهاز المخابرات المصرى بفعل خدعة الترابى الشهيرة التى باتت ملفاً ضخماً فى أرشيف جهاز الاستخبارات المصرى .. كان حوارى مع الرجل صريحاً جداً وقد واجهته بكل همس الساحة السودانية حوله وللحق فقد كان الرجل هادئاً يغلب عليه الهدوء وعدم الانفعال ولكن النقطة التى كانت أكثر اثارة هى تلك التى تعلقت بالترابى وخروجه من الحكومة .. أذكر أن الرجل أجاب على بعد تنهيدة خافتة تزامنت مع تراجعه الى الخلف على المقعد الذى كان يجلس عليه داخل جناحه بفندق هيلتون الخرطوم حيث أجربنا الحوار .. قال كلمتين قبل أن يستطرد .. ( .. خلاص النهارده يوم جديد .. ) .. ومضى فى حديثه ليؤكد بأن الخلافات المصرية السودانية قد انتهت تماماً باقصاء الترابى وخروجه من حكومة البشير .. وبالفعل مثل الترابى هاجساً كبيراً لنظام مبارك وأيضاً للمخابرات المصرية التى خدعها الترابى ووجه اليها صفعة تاريخية قوية وهو الأمر الذى ربما يفسر ما حدث للترابى أخيراً عند وصوله لمطار القاهرة الدولى مساء الأربعاء الماضى الموافق العشرين من يوليو فى زيارة هى الأولى له للقاهرة منذ ما يقارب ربع القرن حيث قامت أجهزة المخابرات المصرية باحتجازه لمدة ثلاث ساعات هو ووفده المرافق له والمكون من الدكتور على الحاج محمد وابراهيم السنوسى والمحبوب عبد السلام مهندس الزيارة وآخرين .. المخبارات المصرية أعلنت فيما بعد بأن ما حدث كان اجراءً روتينياً لفك الحظر عن الترابى ورفاقه حيث كانت الأسماء لأ زالت فى كشف المحظورين ..!!!! .. وهو تبرير بالطبع يبدو غريباً حتى فى ظل الارتباك السياسى والأمنى الذى تعيشه الآن مصر وذلك من وجهين الأول يقول بأن المحبوب عبدالسلام المهندس والمتابع لتفاصيل زيارة الترابى رجل عرف عنه الانضباط والدقة المتناهية والاهتمام الكبير بالتفاصيل ولذلك لأ يتوقع أحداً أن يكون الرجل قد أعطى لزعيمه الاشارة الخضراء لدخول مصر آمناً بعد ربع قرن دون أن يكون قد أكمل كافة التحوطات اللازمة وفى مقدمتها اكمال التنسيق الأمنى والمخابراتى وبالفعل حدث وقد فعل المحبوب ذلك وفقاً لما تناقلته المصادر .. والأمر الثانى أن مصر الأن تعيش أجواء واقع جديد صبغ بلونه كافة أوجه التعاملات السياسية بمصر بوجهها الجديد وقد دخل من قبل الشيخ القرضاوى وغيره من الشخصيات التى وسمها النظام المصرى السابق باعتبارها محظورة لذا لم يكن الأمر يحتاج من المخابرات المصرية سوى للحظات لتدق على جوازات الترابى ووفده ختم الدخول .. ولكن يبدو لى بأن الأمر لأ يتعلق باجراءات روتينية بقدر ما يتعلق بمرارة تاريخية فالأجهزة العسكرية والمخابراتية والأمنية تمتلك عقيدة يصعب معها هكذا بلع الأمر حتى وان مرت عليه أكثر من عشرون عاماً بمثل هذه اليساطة .. لأ بد من شىء .. فكان الاحتجاز لمدة ثلاث ساعات هو هذا الشىء .. فهذا هو الترابى يدخل مصر ويقرأ على لافتة مطار القاهرة الدولى ( .. أدخلوا مصر انشاء الله آمنين .. ) .. والدليل على أن هذا الموقف وحتى انتهائه ظل موقفاً للمخابرات المصرية فقط هو امتناع أية جهة سياسية مصرية عن التعليق على ما حدث .. بل سارعت جهات سياسية مصرية لاحقاً فى محاولة كبيرة لامتصاص تأثير الموقف وتجاوزه .. ولكن حق للمخبارات المصرية أن تحتجز الترابى لمدة ثلاث ساعات ولو كنت مكانهم لأحتجزته أربعة وعشرون ساعة فثلاث ساعات لأ تكفى أبداً لتفرس وتأمل وجه هذا الرجل الخطير الذى ألحق أكبر فضيحة سياسية استخباراتية بنظام مبارك السابق .. ولكن هل انتهت خدع الترابى بعد لمصر ارض الكنانة .. ؟؟ .. ماذا لو اكتشفت مصر يوماً أن الترابى خرج من حكومة البشير باختياره بل وبتخطيط مسرحى مدروس يحكم عبره ويعارض وينفذ ما يريده من وراء الكواليس . . ؟؟ !! .. ولكن مصر أم المسرح العربى والسينما العربية قد تكتشف حينها أنها ما عرفت ممثلاً بارعاً بمثل ما عرفت تلك القدرات فى رجل اسمه حسن الترابى ..
.. والآن الترابى وفى رحلة بحث جادة عن دور اقليمى يمتد على تخوم تركيا وابران وربما عالمى جديد يصله بأخرين تقاطعه معهم مخرجات مرتقبة للثورات العربية بمخاضها المتفاعل الآن .. يدخل مصر الجديدة بعد مبارك ليلتقى قادة شباب ثورة 25 يناير وشيخ الأزهر والبابا شنودة وقادة الفكر المصرى وأقطابه ورؤساء القوى السياسية والأخوان المسلمون المتحولون أخيراً الى حزب سياسى و الذين عليهم الآن وقبل أن يجلسوا الى الرجل أن يقدموا اعترافاً تاريخياً نبيلاً وشجاعاً له يقولون فيه بأنه قد سبقهم بأكثر من خمسين عاماً عندما تجاوز بطرحه الفكر الاخوانى المنغلق الى رحاب الاسلام السياسى المنفتح على أدوات الزمان السياسية والفكرية .. هل سيعترفون .. الاجابة ننتظرها من المحبوب عبد السلام ..
.. لم يعرف التاريخ السياسى السودانى الحديث خصومة سياسية لزعيم سياسى سودانى مع نظام دولة عربية بمثل ما شهدت العلاقة بين الدكتور حسن الترابى الزعيم التاريخى المؤسس لكيان الاسلاميين الجديد المنشق عن تنظيم الأخوان المسلمون والنظام المصرى السابق بقيادة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ذلك للحد الذى وقفت فيه القاهرة عندما كان الترابى ماسكاً بكلتا يديه على دفة الحكم على موقفها الصارم ضد حكومة الانقاذ على كافة المستويات المحلية والاقليمية والدولية راهنة أى تغيير ايجابى تجاه تحسين مواقفها وبالتالى تغيير سياساتها تجاه الخرطوم بتغيير يطيح بالرجل على أى صورة كانت أو أى سيناريو كان .. المهم أن يزاح الترابى وبقصى على أسرع ما يمكن من المنصة الحاكمة بالسودان .. هذا ان ارادت حكومة الانقاذ تجنب استمرار موقف القاهرة الرافض لوجود الرجل وكذا ان أرادت تطبيع علاقاتها الاقليمية مع بقية الدول العربية وبالتالى دول العالم خارج المنطقة وعلى نحو خاص الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وكان الأمر هنا يبدو للقاهرة موضوعياً حيث كان نظام مبارك والى تلك الأيام يرى بأنه هو المشكل لعلاقات السودان الآقليمية والدولية بما يجعله البوابة الوحيدة أمام الخرطوم لعبور أى محفل كان عربى أو أفريقى أو دولى ..
.. وخصومة الترابى مع النظام المصرى السابق بدأت منذ اللحظة الأولى التى أدركت قاهرة مبارك بأن الرجل قد قام بخداعها خدعة كبيرة تكاد بحنكتها وفى ذات الوقت بساطتها تمثل فضيحة لنظام طالما ادعى امتلاكه لقدرات استخباراتية كبيرة تجعله حاضراً فى كل غرفة جلس فيها اثنان يتحدثان سواءً عن السودان أو غيره من دول المنطقة الأفريقية والعربية ويبدو أن النظام المصرى السابق كان فى هذا يتوشح بتاريخ قديم استطاعت فيه الأجهزة الاستخباراتية المصرية مستفيدة من كافة الظروف السياسية حولها باعتبارها دولة المواجهة الأولى مع اسرائيل وانتخاب العرب لها خلال الفترة الناصرية والساداتية كدولة المبادرة العربية السياسية الأولى معطين لها تفويضاً سياسياً شبه كامل للحديث باسم الموقف العربى السياسى بل والعسكرى أيضاً الذى يحدد متى تكون الحرب ومتى تكون ساعة الصفر فيها .. كان هذا أيام عبدالناصر وبشكل أكثر قدرة فى عهد الراحل أنور السادات بطل العبور العربى .. وجاء نظام مبارك ليخرج برؤاه القاصرة مصر من افريقيا بما أدى لانسحابها الكامل من موقعها القديم المؤثر فى مواقف الدول الأفريقية التى وبفضل الأنظمة المصرية قبل مبارك بقيت على مواقفها المؤيدة للحق العربى ورافضة التطبيع مع اسرائيل بما مثل شراكة سياسية عربية – افريقية ناجحة .. وتراجع الدور المصرى هذا الذى تسبب فيه نظام مبارك أضعف القدرات الاستخباراتية المصرية فى افريقيا وبالتالى فى السودان بالرغم من أنه البلد الذى يمثل بحكم العقيدة السياسية المصرية العمق الأمنى الاقتصادى والعسكرى بل والسياسى أيضاً .. وفى السودان وفى هذه الأثناء كان هنالك رجل اسمه الترابى يقرأ هذه التطورات وينسج عليها ما يخطط وما يسعى اليه بذهنية مدهشة مفرطة فى الطموحات والآمال .. وبالفعل استطاع الترابى خداع الاستخبارات المصرية بل وخداع نظام مبارك بكل تشكيلاته السياسية والأمنية والعسكرية ذلك عندما قام الرجل باستلام السلطة فى 30 يونيو من العام 1989م مقدماً وجوهاً قيادية لقيادة النظام الجديد لم تشك القاهرة لحظة بأنهم من أبناء الترابى وحيرانه ومؤيديه فبينما ذهب القائد الجديد للقصر رئيساً ذهب الترابى للقصر كما ذكر لاحقاً حبيساً .. وأطلقت القاهرة حينها زغرودة فرحتها بذهاب حكومة الصادق المهدى بالرغم من مشاركة الحزب الاتحادى الديمقراطى صاحب العلاقة التاريخية المتميزة مع مصر فى الحكم فقد رأت مصر فى تلك الحكومة ضعفاً كبيراً يوشك أن يتحول الى مشهد آخر اذا ما قفز على السلطة من لأ ترغب فى وصوله اليها وهو ما يؤكد ضعفها الاستخباراتى فى السودان آنذاك فهى حينها لم تكن تملك قراءة واضحة لما يدور بالسودان ولذلك ما كانت تدرى ما يمكن أن يحدث فى أية لحظة فى ذات الوقت الذى مثل الصادق المهدى للقاهرة حينها حالة من القلق بعلاقاته الجامحة مع ايران وليبيا .. أطلقت القاهرة زغرودتها وبعثت لواشنطن تطمئنها بأن من استلم السلطة فى السودان هم كما خرجت العبارة المصرية ( أولادنا ) .. الترابى من أولاد مصر .. !! .. يقهقه الرجل ساخراً فى زنزانته التى جمعته مع رصفائه السياسيين فى سجن كوبر .. !! .. المهدى يراقبه بشك والميرغنى بحذر وزعيم الشيوعيين محمد ابراهيم نقد بدا حينها وبعد مضى يومين فقط على قناعة بأن الترابى قد فعلها بالفعل حتى أنه مازحه فى اليوم الثالث قائلاً له ( كفاية أخرج يا شيخ حسن جاملتنا كفاية .. ) .. كان نقد ولا يزال الأقرب الى فهم دهاء الترابى ولكنه عجز فى تلك الأيام عن فهم التكنيك السياسى والأمنى الذى غطى به الرجل حركة 30 يونيو الا أن هذا لأ ينفى أبداً أن زعيم الشيوعيين قد توصل فى يومين فقط وبفضل حساسيته المفرطة تجاه تحركات الترابى الى ما عجز الوصول اليه نظام مبارك بمصر لسنتين كاملتين أعلنت بعدها قاهرة مبارك بطلان النظام السودانى الجديد وأسمته تحالف ( البشير – الترابى ) ومنذ تلك اللحظة سعت لانهياره وزواله بل وحددت الثمن واضحاً لأى تغيير جديد فى مواقفها من نظام الخرطوم برمته .. ذهاب الترابى .. هذا هو الثمن .. وأذكر أننى وفور حدوث مفاصلة الاسلاميين الشهيرة والتى أعلن الترابى فيها خروجه من سلطة البشير قد ساعدتنى الصدفة وحدها فى اجراء حوار تلفزيونى لصالح تلفزيون السودان مع السفير المصرى حينها محمد عاصم ابراهيم الذى كان الهمس يدور فى الخرطوم يشدة حول ارتباطه بالاستخبارات المصرية بحكم تاريخه وعمله سفيراً فى دول افريقية مجاورة ويبدو أن نقله للسودان واذا ما صحت تكهنات أولئك الهامسين قد جاء لمعالجة آثار الفضيحة التى تعرض لها جهاز المخابرات المصرى بفعل خدعة الترابى الشهيرة التى باتت ملفاً ضخماً فى أرشيف جهاز الاستخبارات المصرى .. كان حوارى مع الرجل صريحاً جداً وقد واجهته بكل همس الساحة السودانية حوله وللحق فقد كان الرجل هادئاً يغلب عليه الهدوء وعدم الانفعال ولكن النقطة التى كانت أكثر اثارة هى تلك التى تعلقت بالترابى وخروجه من الحكومة .. أذكر أن الرجل أجاب على بعد تنهيدة خافتة تزامنت مع تراجعه الى الخلف على المقعد الذى كان يجلس عليه داخل جناحه بفندق هيلتون الخرطوم حيث أجربنا الحوار .. قال كلمتين قبل أن يستطرد .. ( .. خلاص النهارده يوم جديد .. ) .. ومضى فى حديثه ليؤكد بأن الخلافات المصرية السودانية قد انتهت تماماً باقصاء الترابى وخروجه من حكومة البشير .. وبالفعل مثل الترابى هاجساً كبيراً لنظام مبارك وأيضاً للمخابرات المصرية التى خدعها الترابى ووجه اليها صفعة تاريخية قوية وهو الأمر الذى ربما يفسر ما حدث للترابى أخيراً عند وصوله لمطار القاهرة الدولى مساء الأربعاء الماضى الموافق العشرين من يوليو فى زيارة هى الأولى له للقاهرة منذ ما يقارب ربع القرن حيث قامت أجهزة المخابرات المصرية باحتجازه لمدة ثلاث ساعات هو ووفده المرافق له والمكون من الدكتور على الحاج محمد وابراهيم السنوسى والمحبوب عبد السلام مهندس الزيارة وآخرين .. المخبارات المصرية أعلنت فيما بعد بأن ما حدث كان اجراءً روتينياً لفك الحظر عن الترابى ورفاقه حيث كانت الأسماء لأ زالت فى كشف المحظورين ..!!!! .. وهو تبرير بالطبع يبدو غريباً حتى فى ظل الارتباك السياسى والأمنى الذى تعيشه الآن مصر وذلك من وجهين الأول يقول بأن المحبوب عبدالسلام المهندس والمتابع لتفاصيل زيارة الترابى رجل عرف عنه الانضباط والدقة المتناهية والاهتمام الكبير بالتفاصيل ولذلك لأ يتوقع أحداً أن يكون الرجل قد أعطى لزعيمه الاشارة الخضراء لدخول مصر آمناً بعد ربع قرن دون أن يكون قد أكمل كافة التحوطات اللازمة وفى مقدمتها اكمال التنسيق الأمنى والمخابراتى وبالفعل حدث وقد فعل المحبوب ذلك وفقاً لما تناقلته المصادر .. والأمر الثانى أن مصر الأن تعيش أجواء واقع جديد صبغ بلونه كافة أوجه التعاملات السياسية بمصر بوجهها الجديد وقد دخل من قبل الشيخ القرضاوى وغيره من الشخصيات التى وسمها النظام المصرى السابق باعتبارها محظورة لذا لم يكن الأمر يحتاج من المخابرات المصرية سوى للحظات لتدق على جوازات الترابى ووفده ختم الدخول .. ولكن يبدو لى بأن الأمر لأ يتعلق باجراءات روتينية بقدر ما يتعلق بمرارة تاريخية فالأجهزة العسكرية والمخابراتية والأمنية تمتلك عقيدة يصعب معها هكذا بلع الأمر حتى وان مرت عليه أكثر من عشرون عاماً بمثل هذه اليساطة .. لأ بد من شىء .. فكان الاحتجاز لمدة ثلاث ساعات هو هذا الشىء .. فهذا هو الترابى يدخل مصر ويقرأ على لافتة مطار القاهرة الدولى ( .. أدخلوا مصر انشاء الله آمنين .. ) .. والدليل على أن هذا الموقف وحتى انتهائه ظل موقفاً للمخابرات المصرية فقط هو امتناع أية جهة سياسية مصرية عن التعليق على ما حدث .. بل سارعت جهات سياسية مصرية لاحقاً فى محاولة كبيرة لامتصاص تأثير الموقف وتجاوزه .. ولكن حق للمخبارات المصرية أن تحتجز الترابى لمدة ثلاث ساعات ولو كنت مكانهم لأحتجزته أربعة وعشرون ساعة فثلاث ساعات لأ تكفى أبداً لتفرس وتأمل وجه هذا الرجل الخطير الذى ألحق أكبر فضيحة سياسية استخباراتية بنظام مبارك السابق .. ولكن هل انتهت خدع الترابى بعد لمصر ارض الكنانة .. ؟؟ .. ماذا لو اكتشفت مصر يوماً أن الترابى خرج من حكومة البشير باختياره بل وبتخطيط مسرحى مدروس يحكم عبره ويعارض وينفذ ما يريده من وراء الكواليس . . ؟؟ !! .. ولكن مصر أم المسرح العربى والسينما العربية قد تكتشف حينها أنها ما عرفت ممثلاً بارعاً بمثل ما عرفت تلك القدرات فى رجل اسمه حسن الترابى ..
.. والآن الترابى وفى رحلة بحث جادة عن دور اقليمى يمتد على تخوم تركيا وابران وربما عالمى جديد يصله بأخرين تقاطعه معهم مخرجات مرتقبة للثورات العربية بمخاضها المتفاعل الآن .. يدخل مصر الجديدة بعد مبارك ليلتقى قادة شباب ثورة 25 يناير وشيخ الأزهر والبابا شنودة وقادة الفكر المصرى وأقطابه ورؤساء القوى السياسية والأخوان المسلمون المتحولون أخيراً الى حزب سياسى و الذين عليهم الآن وقبل أن يجلسوا الى الرجل أن يقدموا اعترافاً تاريخياً نبيلاً وشجاعاً له يقولون فيه بأنه قد سبقهم بأكثر من خمسين عاماً عندما تجاوز بطرحه الفكر الاخوانى المنغلق الى رحاب الاسلام السياسى المنفتح على أدوات الزمان السياسية والفكرية .. هل سيعترفون .. الاجابة ننتظرها من المحبوب عبد السلام ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق