الاثنين، 6 مارس 2023

الترابي .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ..!! .. !!

 د. خالد حسن لقمان

يكتب ؛

الترابي .. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ..!!

———————————


.. قد يختلف الآن الكثيرون – وشخصي الضعيف منهم – حول الراحل الدكتور الشيخ “حسن الترابي” فيما فعله في الثلاثين من يونيو من العام 1989م حين قال للرئيس السابق “عمر البشير” اذهب الآن للقصر رئيساً وسأذهب أنا إلى السجن حبيساً فكانت الإنقاذ عاماً تلو آخر حتى بلغت الثلاثين من عمرها تخللها ما تخللها من أخطاء عديدة تراكمت حتي أصبحت جبالاً انهارت علي رؤوس وهامات أهلها قبل أن تتساقط على رؤوس الآخرين، ولعل من أخذ على هذا الرجل هذا المأخذ (الذي يمثل خطأ عمره التاريخي بالرغم مما أحاط بتلك الفترة من أحداث تراصت معها موضوعيات دفع بها “الترابي” واتباعه آنذاك كدفوعات لما قاموا به حيث تآمر عليهم حلفاؤهم في حكومة الوفاق الوطني وأرادوا إخراجهم ومن ثم إلغاء القوانين الإسلامية ..) رغم هذا فإن منطق هؤلاء المنتقدين لفعل “الترابي” الانقلابي هذا أيده “الترابي” بنفسه حين اعترف به كخطأ بشجاعة نادرة وأمام العالم كله، بل ووصفه بخطئه الشخصي التاريخي وهو الخطأ الذي لم يقف فقط في دائرة قضية اغتصاب السلطة الديمقراطية بانقلاب عسكري، بل أن هنالك آخرين من داخل صفوف حركة الرجل نفسه أشاروا ومنذ الوهلة الأولى إلى خسران الحركة الإسلامية بانقلاب الإنقاذ وهي الحركة التي جعلت لخطي الفعل السياسي الوطني ضلعاً ثالثاً بعد أن كان يسير على خطين متوازيين مثلهما حزبا البيتين الكبيرين بقيادة آل “الميرغني” وآل “المهدي” إلا أن القفزات المتسارعة لحركة الترابي بتيارها الإسلامي السياسي الحديث والمستوعب للشباب والمثقفين قد جعلها تحوز وبجدارة على ضلع المثلث الثالث في القوى السياسية السودانية، بل ووضعها ذلك كحصان أسود توقع له الجميع أن يكون في المقدمة إذا ما اكتملت دورة الانتخابات التي كسرها الترابي بنفسه وكأنه حينذاك قد فقع عينيه بأصبعيه .. نعم اختلف الكثيرون حول “الترابي” تحديداً في هذا الجانب وهذا الفعل الذي قام به ولم يختلفوا مطلقاً عليه كسياسي فذ ومفكر ضخم وفقيه مجتهد وقانوني دستوري لم تعرف المنطقة من يبزّه خلال سنوات طويلة وعقود متتالية شكلت مجتمعات المنطقة بحداثتها وتطورها.. والآن عندما ننظر لحالنا والأزمة التي تواجهها بلادنا حتماً يطل وجه “الترابي” ليقول شيئاً كان يمكن أن يكون فعلاً كبيراً يخرجنا من ما نحن فيه وكم من مأزق سياسي كان للرجل ريادة الفعل في تجاوزه وكم من موقف معقّد ساهم الرجل في حلّه والعبور بالناس منه .. وما حدث عقب وفاته و ( حتي قبل وفاته بسنوات عبر اقصائه و ابعاده بمؤامرة دنيئة ماكرة من خونة كتب الله لهم بقدره وارادته  ان ينجحوا فيما فعلوا  لحكمة الهية أبانت كيف تكون خيانة أمانة التكليف حتي من أقرب الأقربين )  إنما يشير لدور الرجل وخطورته علي أعداء هذا البلد وكيف لا و الترابي هو من خدع الأمريكان وأخرج شيفرون  ( تلك الشركة التي لعبت علي مايو ورجلها الشجاع الراحل جعفر نميري )   من السودان و أقتلع منها  حقوقها الاستكشافية التي جمدتها عن قصد و تآمر علي بلادنا فأقعدتها سنوات وعقود طويلة  كان يمكن ان ننهض فيها ونصبح أكبر اقتصاد ليس علي مستوي الاقليمين العربي والافريقي ولكن علي مستوي العالم كله فما الذي كان ينقصنا سوي الطاقة المحركة لنزرع ارضنا من نمولي الي حلفا و لنخرج ثرواتنا المعدنية كلها في الوسط و الشرق والشمال والغرب والجنوب الذي فصلوه غصباً و غدراً ..  الترابي هو السياسي الوحيد الذي نجح في استخراج بترول السودان و قد ضحك عليه من ضحك عندنا انتوي ذلك فتندروا همساً انه لن يستطيع ان يفعل ذلك وكيف يفعل والامريكان علي رأس كل العالم يرصدون الخطوات و يحبسون  الانفاس ويوءدون  الافعال النازعة للاستقلالية في مهدها في دول العالم الثالث الذي ارادوه مخزناً لطاقتهم وثرواتهم حتي اذا احتاجوها اخرجوها عن طريق خونتهم و عملائهم .. ولكن الترابي فعل و انجز و جعل علي رؤوس الجميع الطير فجاء بالصينيين الذين قال البعض انهم لن يجرأوا  علي مساعدة الترابي ودولته و استهان الآخرين بقدراتهم الفنية ولكن هؤلاء الصفر المدهشين ابروا للرجل قسمه فخرج البترول وجاء الترابي بالنميري معترفاً بفضله وسوار الذهب محترماً لقدره وأداروا معه المقبض الذي تفجر منه السائل الاسود الذي كاد ان يحقق معجزة السودان في اقتصاد الذي لا يقهر .. نعم فعلها الترابي وترك الجميع حياري  خائبين الرجاء و مخطئين التوقع .. وهذا هو سبب استدعاء المستعمرون الجدد للخونة فجاؤوا بعددهم و عتادهم و مؤمراتهم النتنة فأقصوا الرجل و ابعدوه فرجل بهذه الارادة السياسية الصلبة الامينة علي وطنها وشعبها و امتها  وهذه العقلية الذكية المدهشة لا يجب ان تستمر بتأثيرها علي دولة كالسودان يجب ان يذهب الترابي .. هذا هو القرار الاممي الصامت الذي صدر حينها .. وكيف لا يذهب الترابي وهو السياسي الوحيد الذي سجله تاريخنا السياسي الحديث  الذي استطاع ان يحقق اكتفاءً ذاتياً لبلاده من القمح وهو ما حدث بالفعل بين موسمي 1990- 1991م عندما حول الامريكان آخر باخرة امريكية محملة بالقمح الي جيبوتي و حاصروا السودان فأستدعي الترابي احد اكفأ الزراعيين السودانيين فأستطاع الذي الرجل الخبير  المهني - الاكاديمي الفذ وفي موسم واحدٍ ان يفي بحاجة البلاد من القمح بل و يفيض عن حاجتها بآلاف الاطنان التي لا مخازن ولا مستودعات لتخزينها .. !! .. رجل كهذا يجب ان يذهب .. هكذا قرر أعداء السودان الذين هم أعداء كل دول الجنوب الفقيرة المعدمة .. يريدونها معدمة فقيرة تعاني من النزاعات و الحروب التي يشعلونها بأنفسهم و بسلاحهم و تحت رصاصها و دوي راجماتها و قاذفات قنابلها و طائراتها يسرقون ذهبها وفضتها وكل ثرواتها ( وحياكم الله اهل مالي و بوركينا فاسوا الذين استيقظوا الآن وعرفوا من هو عدوهم فطردوه وبهم وبريادتهم هذه  بحول الله تحرر افريقيا وتنعتق من جلادها الذي لا زال يلعب ظهرها بأسوأ ما كان يفعل في براري أمريكا و اودية المانيا و ساحات فرنسا   ) .. الترابي بهذا المقياس  شخصية خطيرة يجب ان تقصي وتحبس وتسجن و ياله من رجل عندما رفض الفتنة فأبي مواجهة ابنائه الذي خانوه وترك الأمر لله وحده يجريه كما يشاء و يرسم فيه بأقداره جدارية ( الارادة و الخيانة ) لتظل معادلة هذا البلد الي ان تأتي حواء السودانية برجال  يعبرون كل هذا الألم الي زمان العزة والكرامة الحقيقية بعيداً  عن فعل خونة البلاد و عملاء أعدائها و هو زمان يوشك ان يطل وفجر يكاد ان يشرق  ..    

والآن  تمر بالبلاد ذكري رحيل هذا الرجل المحوري الفعل و التأثير    فإن لا أحد  يستطيع أياً كانت درجة خصومته أو عدم اتفاقه مع الشيخ الراحل الدكتور “حسن الترابي” الذي صادف يوم أمس   الخامس من مارس   ذكرى رحيله.. أن ينفي بأن الرجل قد مثل حجر الزاوية وقطب الرحى في الساحة السودانية علي وجهها السياسي والاجتماعي وبالتالي الفكري والثقافي خلال نصف قرن كامل من الزمان عبر تأثيره البالغ على وجهه بل و(متن) الحياة السودانية والإقليمية وربما العالمية من حولها.. فهكذا يقدر الله للأمم والأوطان أن يندفع وميض من بين ركامها المعتم ليحدث بحركته وفكره هالة عظيمة من الضوء والتوهج فتنجذب إليه القلوب وتنتبه إليه العقول، والراحل “الترابي” كان بجهده الذي آمن به وسعى إليه وعاش من أجله بإيمان كامل ويقين راسخ متحملاً كل تبعات ما يفعل تضييقاً وتنكيلاً وحبساً وسجناً طوال مراحل حياته شاباً ورجلاً وكهلاً وشيخاً طاعناً هو هذا الوميض المتوهّج الذي أنار للشباب طريقهم وللنساء دربهن، فأخرج من هؤلاء العابدات الطاهرات والعاملات في كل ضروب الحياة بمثل ما أخرج من أولئك رجالاً شهباً مضى أزكاهم وأطهرهم في سبيل دعوة الحق التي لا تفني وان ضعفت ووهنت  ولا تموت وان اعتلت و مرضت ..!!

 .. حياك رب الحق وأنت في ملكوته الأبدي يا شيخ “حسن” وأجزل لك العطاء بمثل ما أعطيت واجتهدت ورحمك الله إمام “علي” الشيخ حين شدوت:

فتى أخلاقه مُثل

وملء ثيابه رجل

يعج الحق في دمه

ويزحم صدره الأمل

تراه الصبح مبتسماً كأن حياته جدل..

ينم سلوكه عنه ويتبع قوله العمل.. وإن دارت معاركها فلن يتزحزح الجبل ..

———————————

.. نعم ودونما تعصّب فكري أو حزبي يجب أن نعترف بأن الساحة في زمان أزمتنا الحالية قد افتقدت رجلاً اسمه “الترابي” ..

ليست هناك تعليقات: