الجمعة، 12 أغسطس 2022

المنظومة الخالفة .. وفعلها الترابي من القبر .. !!

 دكتور خالد حسن لقمان


يكتب : 


المنظومة الخالفة .. 

وفعلها الترابي من القبر .. !!


 .. عندما رمى الشيخ الراحل الدكتور “الترابي” بمصطلحه الجديد للساحة السياسيةوالذي أسماه ( المنظومة الخالفة المتجددة) اتجه كثيرون إلى اعتبار ذلك من بنات أفكار ومصطلحات “الترابي” التي اعتادوا سماعها عنه والتي كان منها مصطلح التوالي السياسي الذي استشهد مع مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في العام 1998م .. ولكن الرجل أبدي اهتماماً كبيراً بفكرته هذه لدرجة تفرغه الكامل للتنظير حولها ومحاولة إفساح طريق لها وسط تراكمات الحالة السياسية السودانية بكياناتها التنظيمية المختلفةوتكويناتها القبلية المتشعبة الرابطة والمحددة لكل حركة المجتمع السوداني بتاريخه وحاضره بل ومستقبله المنظور في غياب مؤشرات واقعية بتغيير سريع يغير من هذه الخارطة المعقدة، ولكن بعناده الذي عرف به في تنفيذ أفكاره حتى وإن أخذت من سعة الزمن ما أخذت ظل هذا الشيخ إلى آخر أيامه يبشر بهذه المنظومة الخالفة المتجددة إلاأنه ولشيء في نفسه لم يخرج كامل الفكرة على نحو جلي لمن حوله، وإن وضع هيكلها وجوهر ما تعنيه أمامهم وربما كان هذا بسبب رغبته في ضمان نجاحها دون ترصد من الآخرين لها ، وكذا رغبته في مشاركة الآخرين في بنائها حتى يحوز قبولهم ويضمن تبنيهم لها،كما يضمن ولادة التجربة بمعطيات منطقية تتم قراءتها وفق النسق القدري للحركة السياسية  لذا فلم توغل ورقة المؤتمر الشعبي التي قدمها في مؤتمر الحوارالوطني باسم المنظومة الخالفة المتجددة ما يفصل لفكرتها على الدقة الحاسمة بما أوجدا ستشكالاً على من حاولوا من بعد الشيخ الترابي  الترويج لها .. وإن كانت الفكرة في الإشارة إليها تبدو بسيطة في شكلها إلا أنها عميقة في تداخلاتها الموضوعية ، إذ تتحدث عن وحدة لتيار وطني عريض تجمعه المواطنة ولا يفرقه الدين، ينهض بأبناءالوطن الواحد جميعهم لبناء وطنهم في كافة أوجه حياته السياسية والاقتصادية والثقافية بل وحتى الرياضية والفنية والترفيهية وبالرغم من بساطة هذا التكوين التعريفي للفكرة إلا أنها اختلطت للبعض خاصة عند من مثلوا دائرة الشيخ “الترابي” الخاصة من أنصاره فعرفوا هذا الكيان الوطني الذي تنادي به المنظومة الخالفة المتجددة لشيخهم بأنه يضم كل الكيانات الإسلامية التي تشمل المتصوفة وأنصار السنة وأهل الإسلام السياسي وغيرهم من التيارات الإسلامية بالساحة، ولكن “الترابي” نفسه يقول بعدم إقصاء الفكرة لأحد لخلفيته العقدية ولكنه وإن غض الطرف عن ما قال بذلك فربما رأى بأنه وحال انتظام التيار الإسلامي العريض في هذه المنظومة فإنه وبطبيعة الحال سينشأ وبالمقابل تيار آخر يعرض فكرة اليسار لتكون واجهته الصريحة في مقابل ذلك التيار الإسلامي العريض، وهنا يكون المسرح السياسي السوداني قد تشكل علي نمط وتجربة الديمقراطيات الحديثة في كبريات دولها كأمريكا وبريطانيا وفرنسا بوجودحزبين كبيرين يتبادلان السلطة أحدهما يميني التوجه والآخر يساري النزعة، وأعتقد أن الراحل “الترابي” كان هذا هو ما رمى إليه وهو الوجه الذي يوشك الآن أن يتحقق  إذا ما استمر اليسار السوداني في الاصطفاف جبهة واحدة ضد التيار الإسلامي العريض الذي يقدم الآن لفكرته عبر مبادرة الشيخ الطيب الجد ودبدر وهي المبادرة التي مثلت بحق تخريجاً ذكياً علي نحو مدهش اذ لم يكن من المنتظر ان تنجح اية واجهة أخري في استقطاب كافة التيارات الاسلامية حتي السلفية منها وذلك لوسطية  آل بدر التي عرفوا بها وان  كان لسوء التقدير الذي لازم أداء الفاعلين في المشهد المتحرك بسخونته من اليساريين  قد ساعد بفعالية وقوة  في اصطفاف التيار الاسلامي العريض وهو ما يجلي حقيقة ستظل تاريخية تؤكد أن اليسار بذاته  كان له  دور كبير في ذلك بل وله الدورالحاسم في ذلك وهو أمر يكاد وصفه بالغباء اذ لم يكن من المنتظر ان يرجو اليسارالعريض من استفزاز الاسلاميين هكذا بكل كياناتهم دونما استثناء خير او أية فائدة له  والنتيجة كانت تخويف الاسلاميين كلهم للحد الذي دفعهم لمناصرة بعضهم البعض ثم الاقتراب أكثر من بعضهم البعض الي أن وصلوا الآن الي وحدة هيكلية جمعتهم في تياراسلامي عريض بات حظه كبيراً في المحافظة علي تماسكه و اتساعه  بوجود الاتحاديين و حزب الأمة بأجنحته المشاركة والتيارات السلفية والصوفيةوكذا تيارات الإسلام السياسي وذلك في مواجهة ذلك التيار اليساري العريض الذي سيتقدم بدوره ليضم كافة الأحزاب والكيانات اليسارية وعلي رأسهم الشيوعيين الذي يبدون الآن ممانعة للانضمام للآخرين الا أنهم  سينضمون الي هذا المعسكر علي نحوحتمي عند وصول القطار الي محطة الانتخابات وسيسعون بالتاكيد للسيطرة عليه وقيادته  ليتضح للجميع حينها بأن المنظومة الخالفة المتجددة التي نادى بها “الترابي” قد تحققت الآن بالفعل و أن اهم حقيقة فيها أنها ليست كياناً واحداً بل كيانين يمثلان جناحين في جسم واحد هو هذا البلد السودان .. إذا حدث هذا وحتماً سيحدث فستكون المنظومة الخالفة المتجددة ل”الترابي” قد تحققت وعندها سيكتب التاريخ بأن رجلاً من قبره يدعى “الترابي” قد صنع بفكره المتقدم وحنكته السياسية الذكية آلية الممارسة السياسية الحديثة في السودان عبر تبادل سلمي يشارك فيه جميع مواطنيه بأفكارهم ورؤاهم الفكرية والسياسية المتعددة وهو أمر سيضع السودان بتطوره السياسي هذا في ريادة التجربة الديمقراطية العربية والافريقية بحيث يكون قد نقل تجربة كل الجنوب البشري المتخلف في ممارسته السياسية الي مرحلة النضوج الذي يحقق التداول السلمي الديمقراطي للسلطة  ..

ليست هناك تعليقات: