الجمعة، 10 ديسمبر 2021

دعوة لزيارة ( سجن النساء ) ..!! د. خالد حسن لقمان

 دعوة لزيارة(سجن النساء )..!!


د. خالد حسن لقمان 

.. منذ فترة ليست بالقصيرة لم تعد الاعمال الدرامية العربية علي المستوي المرجو منها وقد تسيدت المشهد مجموعة اعمال خفيفة الوزن بل منعدمة الوزن في أصلها وبعضها للاسف جاء مبتذلاً في  فكرته وموضوعه وضعيفاً في تكنيكه الفني و الاخراجي وبدا الأمر وكأنه قد أصبح عملاً للتربح فقط وساحة للعاطلين فنياً و المفتقدين للموهبة الحقيقية ..  وهي الوضعية التي هربت معها قطاعات المهتمين من جمهور و عاملين في القطاعات اللصيقة بالوسط الفني .. ولكن هذا الضعف لم يستطع ان يمنع استثناءات التجارب الجادة و المؤمنة بعملها من ان تنجز عملاً متميزاً و تصل به لجمهورها المستهدف بنجاح حقيقي  ..بالأمس فقط أكملت مشاهدة مسلسل ( سجن النساء) الذي بثته أخيراً قناة النيل للدراما المصرية .. وهو عمل مأخوذ عن مسرحية ( سجن النسا ) للكاتبة العربية المعروفة ( فتحية العسال ) و اخرجته المخرجة المتميزة بأعمالها النوعية ( كاملة أبو ذكري ) مع  مجموعة من نجمات الدراما المصرية علي رأسهم المدهشة بأدائها النجمة نيلي كريم الصاعدة بقوة و ثقة و تصميم علي اداء الادوار المعقدة و الصعبة ذات البعد النفسي و الاجتماعي وقد خاضت في هذا تجارب ناجحة اهلتها لان تعتلي عرش مثل هذه الادوار الشديدة الصعوبة .. ما ميز العمل انه ادخلنا في عالم مخبوء بطبيعة بيئته علي نفسه بعيداً عن عالم ضياء الشمس والمعلومة و الخبر وهو الامر الذي جعل مخرجته الرائعة تضع بصمتها علي عملها هذا  بهذه العتمة التي شملت أكثر مشاهده حتي ان ذاكرة المشاهد اذا استدعي  بها يوماً هذا العمل في حاضره فلابد ان تأتي اليه بهذه العتمة .. الفكرة واضحة وجريئة .. عكس الحياة داخل هذا العالم وما فيه من علاقات متعددة في شكلها الرأسي و الأفقي بين نزيلاته ولكن عبقرية الكاتبة و مهارة المخرجة أكملت النصف الثاني من الصورة بأن جعلت حياة الشخوص تتحرك بين داخل السجن و خارجه وفي انتقالات مدهشة كان العمل ينقلنا لحياة احدي النزيلات و بعضاً منهن معاً لحياتهن و بيئاتهن الاسرية والمجتمعية لتحكي وتصور كيفية حدوث الجريمة قبل وقوعها بتبيان أسبابها المتراكمة و المكتملة في نهايتها التي ادت لحدوثها ثم يعود بنا الي عتمة ( كاملة ابوذكرى) - المخرجة - ليكمل فكرة المشهد السابق و ما يرمي اليه و ما يدلل عليه و يكمله .. و علي هذا التنقل الرشيق بين داخل سور السجن و خارجه اهدي لنا العمل افكاراً جديدة عن طبيعة هذه الحياة التي نعيشها بجهلنا  وغبائنا وغفلتنا لغضنا لبصرنا و منعنا لسمعنا عن هذه العوالم و قد قدم هنا هذا العمل الذي اراه فارقاً في مسيرة الدراما المصرية و العربية بوجه عام درساً قاسياً لنا جميعاً كمجتمعات و حكومات عربية لدورنا جميعاً في سقوط من يدخل هذا السور المعتم وذلك عبر عكسه لأسباب الجريمة و طرقها ووسائل تناميها وتطورها في مقابل عجز كبير في أدوات المنع و الكبح و المعالجة في ظل التطورات التقنية و التكنولوجية المتسارعة مع انفجار المعلومة واتساع تأثير وسائلها في تشكيل اتجاهات وسلوك افراد المجتمع بمختلف فئاتهم  ..  وقد حوي العمل ولتأكيد تأثيره مواقف صادمة و مشاهد مرهبة و مفزعة بمثل ما حوي مشاهد عاطفية دافقة بعاطفتها و ملهمة بإحساسها و يمكن القول الآن  ان ( سجن النسا ) هذا عمل حقق فكرته و طرح رؤيته بنجاح كبير الا ان ما يؤخذ عليه في تقديري الشخصي  أمراً واحداً متمثلاً في جانب معالجة زاوية هامة من زوايا الموضوع الذي أفشل أية محاولة من بطلاته - نزيلات السجن - في الخروج الي الخارج و الاندماج مع حياة جديدة بل انه أكد علي هذا الفشل ليس فقط بتقديم صورة فشل النزيلات ( المجرمات ) في الاندماج بعد قضائهن لفترات عقوبتهن بل عمدت ( ابوذكرى ) وربما من ورائها ( العسال ) في ارجاعهن مرة و مرتان وثلاثة والي ما لا نهاية لداخل السجن ولعنابرهن ذاتها ( عنبر المخدرات .. عنبر الآداب .. عنبر النيابات والسارقات .. ) وحتي عنبر القاتلات الذي اعادت اليه الكاتبة و المخرجة بطلة عمليهما ( غالية ) الذي مثلته الرائعة ( نيلي كريم ) فتعود للسجن بجريمة قتل أخري فعلتها هذه المرة بالفعل بعد ان عوقبت بتهمة قتل سابقة لم ترتكبها .. هنا يريد العمل ان يقول بأن المجتمعات العربية فاشلة في اعادة تأهيل مجرميها بمثل ما هي فاشلة في كبح سقوطهم في جرائمهم وقد يكون هذا الأمر صحيحاً و لكن ما كان العمل ليضيره مطلقاً اذا ما ألمح ولو عن طريق الاستثناء لحالة نجاح واحدة او اثنتين لنزيلة او اثنتان  تنجحا في الاندماج من جديد مع المجتمع سواءً عبر توبة أو انتباه لماهية الخطأ و الصواب فهذه الدنيا ثنائية الأشياء و الأفعال و كذا النتائج و المالآت والا لما كانت السماء والأرض والموت والحياة و الدنيا والآخرة و الخير والشر  و لما وقف في نهاية المطاف (رضوان ) علي أبواب الجنة بمثل ما وقف (مالك ) علي باب النار  .. تحية لمن أنجز هذا العمل موضوعاً واخراجاً وانتاجاً وتمثيلاً ولا عزاء لنا في هذا كله نحن العارضون خارج الحلبة و المتحلقون حولها ..  



‫أُرسلت من الـ iPhone‬

ليست هناك تعليقات: