الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

د. عصام لقمان .. كان شقيقي رجلاً عظيماً ..!!

 د. عصام لقمان .. كان شقيقي رجلاً عظيماً  .. !! 


د. خالد حسن لقمان


      .. تري هل سأفلح في الكتابة عن ( عصمت ) .. هذه هي المقدمة الأكثر من عشرين التي تفشل في العبور بحديثي لما يحملني حملاً لأكتب .. وَيَا ليتني ما تعلمت من الكتابة شئ .. لا حرفاً ولا كلمة ولا معني .. اذاً لكنت اليوم في منأي من هذه الحالة التي تتملكني و يرتعش لها كل جسدي و كأن تياراً كهربائياً يصعقني وأحس بألمه من أخمص قدمي الي قمة رأسي .. أريد ان يذهب كل هذا بكل ما فيه من ألم و ضيق و اختناق .. لماذا لا يذهب هذا الكابوس بعيداً عني .. لماذا  يلتصق بي كل هذا الالتصاق و تفشل غفوتي و يخيب نومي في إرجاعي الي لحظات تعانق العيون و تهامس الكلمات و حلاوة الأنس وطلاوة الحديث و عذوبته .. لا اريد ان يحبسني هذا الكابوس .. اريد الانعتاق منه .. اريد(  عصمت )  بجانبي .. أجالسه  في صالون بيتنا الذي نشأنا فيه كلنا معاً  وقد شهد ما شهد من الاحداث بأفراحها و أتراحها .. سنوات و سنوات و ( عصمت ) بجانبنا  و أمامنا و خلفنا وفي كل مكان حولنا  .. يغيب ليعود ونغيب لنعود  بضعة أيام او بضعة شهور دون أن يتغير المشهد ودون ان تطفأ الأنوار  .. دوماً يظل المكان مضيئاً و حتماً سيظل مضيئاً حتي و ان غابت الاجساد ذلك ان ما سكنته و ما ستبقي فيه الي الأبد هي ارواحنا جميعاً .. ابي ذلك الرجل العظيم الذي فارقنا منذ اربعة أعوام و امي الحبيبة اطال الله عمرها و أشقائي عصام ( عصمت ) و عادل و عمر والحبيبة الشقيقة نجوي  .. نجوم حياتي و حبات عمري و نبات زهري و لذة مطعمي و عذب شرابي .. سنبقي معاً وانت معنا ايها الحبيب ( عصمت )  .. عملتها يا عصمت و ذهبت اليه قبلنا .. الي ( أبوي ) تفوز كما فزت الآن ب ( الرقاد بجانبه ) .. اصبح قبركما  واحداً لا شئ يفصل بينكما .. ما هذا التدبير الإلهي المدهش  .. يا سبحان الله يأتي بك القدر من دبي البعيدة لتمكث فقط بضعة ايام ثم تعود ولكنك لا تعود  الي مقر عملك بل تضع رأسك بجوار والدك تنال في برزخك دفئه و انسه و رضاه كما فزت بذلك في ايام دنياك .. كم انت محظوظ ايها الانسان الرائع البديع ..  هكذا انت دوماً تفاجئنا بفعلك حيث لا نوتة تقرأ للحنك الشجي ولا قاموس يفسر جميل كلماتك  وروعة معناك .. هكذا انت دوماً مهراً أصيلاً جامحاً يشق البيادي بشجاعته و كرمه و عطائه  ويتجاوز الحواجز بسماحته و طيبته و حسن خلقه .. آه يا اخي لو كنت اعلم انك ستفعلها هذه المرة لما تركتك تذهب وحدك و أمل بقائنا معاً الي الأبد يكاد ينسينا سنة المضي و الذهاب الي ملكوت مالك الملوك .. آه يا اخي الحبيب لوتعلم ما  فعلته بالأمس الثكالي و النائحات .. صوتهن  تهتز له الأرض و أزيز نواحهن ينشق له الفضاء .. ولكن حسبك يا اخي من كل هؤلاء ..؟؟ .. لقد نعوك بأكثر  من ما فعلنا و بكوا عليك بأكثر من ما بكينا  .. متي عرفت كل هؤلاء ومتي عرفوك .. امتلأت بهم الساحات وتضاغطت عليهم  الطرقات وتراقصت بين ارجلهم الواجفة المرتعدة و الحائرة المذهولة رمال وكثبان المقابر .. كان هناك من يتحدث مع أمه او أخته  ثم ينفجر باكياً تخنقه العبرات غير مصدق وطرف محادثته بما حدث .. تخرج منه كلمات الذهول و الثناء و الشهادة لك معاً في مشهد بالصورة والصوت هنا وهناك .. هل مات مولانا حقاً ؟ .. سؤال تكرر لحظتها الف مرة ومرة  .. هنا علمت شقيقي الحبيب انك لم تكن لنا فقط بل كنت لكل هؤلاء أباً رحيماً و أخاً كريماً وصديقاً حميماً ومثلك يا ( عصمت)  لم يخلق ليبقي الا كما يبقي الورد علي الأغصان و الثمر علي فروع الأشجار ووهج الشهاب و  وميضه الخاطف بإكمال مسار قوسه في كبد السماء .. ذهبت ايها الابن البار  والشقيق الحبيب و الأب الحنون و الزوج الكريم و الصديق الوفي وتركت هؤلاء كلهم تلهج ألسنتهم بالثناء عليك و الاتفاق حولك والشكر لك و ما بين الخرطوم و الركابية ومورة و عطبرة و بورتسودان و اطراف البلاد كلها  طولاً وعرضاً تناقل الخبر و تجاوز الحدود الي الخليج وكافة أنحاء المعمورة حتي بلاد الفرنجة وصلها خبر رحيلك فبكتك كل هذه المسافات بجغرافيتها و تاريخ عمرها معك .. والغريب اخي ان كبير هؤلاء جميعهم كان يبكيك بمثل ما يفعل صغيرهم فهم في حبك سواء لانك كنت لهم جميعاً متواضعاً سهلاً لا كبر عرف طريقه اليك يوماً و لا خيلاء تلبست شخصك النبيل .. كم كنت عبقرياً في ذلك .. عرفت معني الحياة ووصلت لنبعه و نهلت من صفو شرابه فسكنتك السعادة و شملك الرضي وهو ما رأيته فيك ساعة تسجيتك الأخيرة علي الفراش .. رأيتك و بأم عيني باسماً ابتسامة رضا .. نعم و الله العظيم الجليل  رأيتك باسماً ابتسامة وضاءة  لا شك فيها  كما رأيتك راضياً رضي لا ريبة فيه .. وحق عليك ان تبتسم للموت و ترضي بالقدر ايها العالم الفقيه الذي انتج منتوجاً فريداً وكثيفاً من مؤلفات القانون وعلومه رفدت بها مكتبة البلاد القانونية والعلمية  و  أنت  الذي  شهدت له ساحات العدل بمحاكمها ودهاليزها ودواوينها داخل البلاد و خارجها صولات وجولات حيث شرفت بلادك بخبراتك و علمك و مهاراتك  الفذة فنلت ما نلت من التكريم من داخل وطنك و خارجه وفي دولة الامارات العربية و محاكم دبي التي كرمتك و  صحبك ( من الزملاء  المكلومين الآن بفقدك الجلل  ) عاماً بعد عام علي أعلي مستويات الدولة و قمتها .. رحمك الله أبا ( اسراء )  و ( آن ) وما  ادراك ما ( آن ) و أمها الرؤوم ( مهيرة ) الصابرة المحتسبة  .. ( آن ) الذكاء الموروث  و الفطرة السليمة و ( آن ) مستقبل وجودك معنا و امتداد حياتك فينا سنبقي لها وتبقي لنا وردة تينع و تتفتح بفوحها و عطرها .. رحمك الله رحمة واسعة و أسعدك بدعاء والدتك الحبيبة التي ما فتيئت تناجيك و تدعو لك ما اصبح عليها الزمان و ما أمسي .. اخاف ان مضيت أكثر أخي تستعصي علي خاتمتي بمثل ما صعبت علي مقدمتي .. فقط دعني اسأل ربي ان يبلغك رسالتي هذه .. لا اطلب المستحيل في هذا فلا مستحيل عند ربي الذي كلم سيدنا موسي عليه السلام واعطاه ما اعطاه و أكرم نبيه سليمان و أعطاه ما أعطاه وملكه ما ملكه فلماذا لا أسأله ان يبلغك كلماتي هذه اليك تحملها حملاً ما أودعه جل وعلا في نفوسنا من عظمة لصلة الرحم المشتقة أصلاً و جذراً ومعني من  اسمه  الرحمن الرحيم  .. اني أفعل ذلك  الآن شقيقي الحبيب وانتظر لطف ربي و مشيئته لتسمع كلماتي هذه علي قصورها دون قامتك العالية المهيبة انه هو القادر علي كل شئ تقدست أسماؤه و عظم شأنه وسأكون في انتظار طلتك علي رؤية صادقة آراك ترفل فيها ووالدنا الحبيب فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْكما  بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ .. والي هذه الساعة في سحر الصباح و انبلاج شمسه لن اقول لك أبداً وداعاً بل الي اللقاء يا حبيب القلب و صنو  النفس في زهو الزمان الأبدي السرمدي الخالد ..



- صحيفة السوداني : اليوم الأربعاء 2 / 12 / 2020م

ليست هناك تعليقات: