الخميس، 16 أكتوبر 2014

وردي والحلنقي والشروق .. والحنينة السكرة ..!! مقال من الأرشيف / بقلم : خالد حسن لقمان

# وردى والحلنقى والشروق و.. الحنينة السكرة .. !! 

.. أصابتنى دهشة بالغة وأنا أتابع الحوار الفنى الذى عرض قبل أيام قليلة على قناة الشروق مع الفنان الكببر محمد وردى والشاعر الغنائى المعروف اسحق الحلنقى .. مصدر دهشتى جاء من طبيعة ومستوى الرؤية التى يحملها صاحب الطير المهاجر وجميلة ومستحيلة وبناديها وأصبح الصبح وأكتوبريات الستينات المجيدة لأزمة الأغنية السودانية فى مستوى تطورها وحجم انتشارها ووجودها المحلى والاقليمى فضلاً عن العالمى .. كنت أرجو أن يقدم فناننا الأول رؤية أكثر عمقاً وجرأة فى هذه القضية الهامة بمثل ما عرف به من شجاعة فى ابراز رأيه مهما كان حاداً أو مغضباً لمن حوله وقد كنت أضحك كثيراً عندما أقرأ احدى تصريحات وردى الصارخة تجاه ما يدور فى الساحة الفنية .. اذ لم يكن الرجل يهاب أحداً عند الافصاح عن ما يريد وما يراه صحيحاً فى رأيه حتى تجاه أقرب الناس اليه ومن ضمن هذه التصريحات التى أضحكتنى بشدة ما نقلته الصحف عنه ( ان كان صحيحاً ) .. تصريحه حول المستوى الفنى والغنائى لابنه عبدالوهاب فقال دونما تردد ( .. عبدالوهاب علاقتو شنو بالغنا .. ) .. 
.. هكذا وردى كان جريئاً ولا زال فى الافصاح عن رأيه وفى حلقة الشروق التى أعنيها هنا والتى قدم فيها وردى أغنية ( الحنينة السكرة ) .. انتبهت بقوة لجزئية من الحوار كنت دائماً مشغولاً بها وهى ما تعلق بالأغنية السودانية وانتشارها واذا ما كان السلم الخماسى ذو الملمح الأفريقى والشرق آسيوى و الذى تسبح فيه صعوداً وهبوطاً هو سبب تميزها أو انتكاسها وعزلتها فى محيط اقليمى معرفى ( عقدياً وفكرياً ) يصعب الفكاك منه بحكم اللغة والثقافة والموروثات يختلف عنا فى مكونه الموسيقى والغنائى وهو المحيط العربى الذى ينبع منه جزء أصيل وأساسى من الثقافة السودانية على وجهيها الفكرى والابداعى بجانب الثقافة الأفريقية التى لها هى الأخرى قدر كبير من هذا التكوين الحضارى بتاريخه التليد وهى حقيقة من يحاول أن يغفل عنها أو يتجاوزها يكون قد أدخل نفسه فى مغالطات كبيرة تخرجه وفهمه للأمور من مربع النضج والعقل والموضوعية ذلك بالرغم من أن هذه الحقيقة فى نظرى ونظر الكثيرين هى تحديداً التى أورثتنا أكبر قضية ثقافية واجتماعية ظلت وعلى الدوام من أهم المسببات الكابحة لخروجنا كمجتمع وشعب سودانى بوجه واحد يرضى الجميع على المستوى الداخلى بلحمته الاجتماعية الديمغرافية بما يؤسس لحالة من التراضى الاجتماعى توفر القدر اللازم لحياة مستقره يعمها السلام ومن يخرج هنا أزمة الجنوب التى أفضت أخيراً لانفصاله وانشطار البلاد الى شطرين وما يصلها بقضايا احترابية أخرى فى دارفور والآن جنوب كردفان من دائرة وتماس هذه القضية الثقافية يكون بالفعل قد تجاهل أهم الحقائق وغفل عن أهم المؤثرات وتاريخ السودان حافل بمؤشرات هذه الأزمة حتى على مستوى النخبة التى تصارعت يوماً وربما لازالت عبر مدارس فكرية متباينة الاتجاهات فى قرأتها الأحادية كلاً على حدة لما تراه أصلاً ومنبع ودونكم مدرسة الغابة والصحراء الأدبية التى تأسست فى أوائل الستينات من القرن الماضى والتى رأت فينا المكون العربى بمثل ما رأت فينا المكون الأفريقى وكان أبرز مؤسسوها الشاعر الراحل الدكتور محمد عبدالحى ومحمد المكى ابراهيم ويوسف عيدابى والشاعر عبدالله شابو بجانب الشاعر والأديب المتميز النور عثمان أبكر الذى رحل قبل عامين فقط بدولة قطر وهو الرجل الذى دخل فى مشادة أدبية رائعة مع الشاعر الراحل صلاح أحمد ابراهيم ( الذى تغنى له وردى الطير المهاجر أجمل أغانيه على الاطلاق ) وذلك عندما كتب صلاح أحمد ابراهيم الذى كان من أميز الشعراء والأدباء العروبيين مقالة فى الستينات بعنوان ( عرب العرب ) يهاجم فيها مدرسة الغابة والصحراء ومؤكداً بأن العروبة هى أصل الثقافة السودانية وتنتمى اليها الأجناس الأدبية السودانية الأخرى ليرد عليه النور عثمان أبكر بمقالة أخرى بعنوان ( لست عربياً ولكن .. ) .. يا له من جدال أدبى رفيع وياله من زمان كان من فيه من رواد الأدب والشعر السودانى الحديث من يمتلك القدرة على توصيف الحالة والسعى بدراية وحنكة وتجرد لمحاولة تحليلها والوقوف على مكوناتها بهدف خدمة الموقف العام للثقافة والفكر السودانى ويا ليت هذا الجهد اتصل .. صحيح أن الراحل الفذ أحمد الطيب زين العابدين قد مضى أكثر بفكره ( السوداناوى ) الا أن مجمل المحاولة الفاعلة والجادة لحسم أو حتى توصيف الهوية السودانية قد انقطع تماماً بما أورثنا الآن أكبر مشكل اجتماعى سياسى يكاد يعصف بكامل الوطن وترابه وقد انشطر بأثره وبالفعل جزء عزيز منه .. وفى اعتقادى الخاص أنه ولو تمكنت الحركة الفكرية والثقافية السودانية من بناء نفسها ذلك البناء المتماسك لتقدمت على الفعل السياسى بأدواته الحادة ولكن للأسف لم تفلح تلك الحركة فى تكوين ذلك البناء القوى وتركت القضية معلقة على الهواء وبالتالى بقينا نحن كذلك معلقين فى الهواء حتى جاء اليوم الذى وجدنا فيه أنفسنا فى مجال التعاطى الثقافى والفنى كالممارسين لحوار الطرشان .. ولن نذهب بعيداً عن الموضوع هنا لنأخذ مثالاً .. فحتى فى مجال الغناء نبدو نحن فيه كما وحوار الطرشان بالفعل .. واليكم المثال .. نحن الآن نقدم فناً غنائياً محلياً بحتاً لم يخرج أبداً الى الخارج وفق المعنى المقصود بالخارج .. نعم بعض الاخوة من الأفارقة يسمعوننا كما قال وردى ( الذى بدا فى حواره على قناة الشروق يملأه ايمان كامل بضرورة الحضور السودانى والتعاطى السودانى مع الفن الأفريقى دون الاشارة للمحيط العربى ) بل أن وردى عند بعض هؤلاء الأفارقة مثل أم كلثوم وفيروز ومحمد عبده وغيرهم عند المصريين وبقية العرب .. هذه حقيقة الا أننا يا عزيزى وردى وبالمقابل لأ نستمع لأى فنان أفريقى .. !! .. قل لنا بربك من هو الفنان الأفريقى التشادى أو الأثيوبى أو الأوغندى الذى نستمع له وتستمع له أنت وتصغى اليه الأذن السودانية .. ؟؟ .. لأ أحد .. أعلم أن هذه الاجابة .. حسناً .. بالمقابل نجد أن الأذن السودانية فى معظم أرجاء السودان ألفت ومنذ وقت مبكر اللحن والغناء العربى خاصة من كبار أولئك الفنانيين بل الآن نجد أن الجيل الجديد من شبابنا وشاباتنا يعرف عن الأغنية العربية أكثر مما يعرف عن محمد وردى نفسه .. اليس هذا صحيحاً .. ؟؟ .. لن تجد شاباً أو شابة سودانية بالجامعات السودانية الا وكان يحمل معه اسطوانة أو شريط كاسيت لفنان عربى .. بل أن أجهزة الحاسوب المحمولة والشرائح الكمبيوترية الصغبرة أضحت الأن تبنى ذاكرة وذهنية شبابنا .. فقط ( فلاش ) بسعة واحد كيقا بايت كفيل بتحميل كل أغنيا ت كاظم الساهر وشيرين عبد الوهاب وأصالة وغيرهم .. هذا الفلاش يحمله كل شاب وكل شابة سودانية الأن فى جيبه أو فى جيبها .. !! .. وفى المقابل لأ يستمع هؤلاء الشباب جميعهم لاى فنان أفريقى .. أليس كذلك يا عزيزنا وردى .. ؟؟ .. اذاً لماذا أردت هذه المغالطة يا فناننا الأول ويا فنان أفريقيا الأول .. وحكاية فنان أفريقيا الأول هذه أخشى أن تكون قد دفعت وردى لاتخاذ موقفاً حاداً تجاه محيطه العربى الذى تغنى بلغته وثقافته لأكثر من خمسين عاماً منذ ( يا تير يا تاير ) .. ورحمك الله يا عائشة الفلاتية فقد كنت رائعة حتى وانت غاضبة .. !! .. أعتقد هنا أن وردى بقامته السامقة وتاريخه الرائع قد ظلم ظلماً كبيراً هو خاصة من دون فنانى السودان بحكم أنه قدم انتاجاً غزيراً ومتميزاً ورائعاً ويكفيه أنه غنى ( الود ) بمقدمتها الموسيقية الرائعة التى وضعها الموسيقار العالمى ( أندريه رايدر ) بالرغم من أن وردى وفى وقت لاحق أكد بأن ما قام به أدريه رايدر لم يكن أكثر من توزيع اللحن الأساسى على الآلات .. !! .. هل مارس وردى هنا غيرة فنية وهل تعطينا هذه الحادثة الحق فى اتهام وردى بأنه قد ساهم مع غيره من أهل الغناء والموسيقى فى تأخر الموسيقى السودانية وبالتالى تخلف الأغنية السودانية وانعزالها فقد كانت تجربة أغنية الود بروعتها وجمالها تجربة يتيمة فى هذا التجديد والتطوير بعدها رفض وردى فتح الباب أمام تجارب مماثلة .. ؟؟ !! .. ولكن المهم هنا أن هذه التجربة لوردى تؤكد اتجاهنا بضرورة احداث شىء جديد وجرىء فى الموسيقى والأغنية السودانية حتى وان جاء هذا الشىء من الخارج .. ولكن و بالمقابل يجب وللتاريخ أن نثيت للرجل نواياه السليمة والوطنية المخلصة لنشر الأغنية السودانية فعندما مكث الرجل فى القاهرة خلال السنوات الماضية أراد أن يخرج الى الفضاء العربى ويخرج معه الفن السودانى الى آفاق أرحب بحكم مسئوليته كأميز وأكبر فنان سودانى الا أن ضيق الامكانيات وضعف القدرات المالية فيما أعتقد قد أضاعت على وردى وعلى السودان كله فرصة عظيمة للخروج بفننا للمحيط العربى باعتباره الأكثر حضوراً فى محيطنا الاقليمى وكذا الأكثر حضوراً فى وجداننا السودانى وبالرغم من ذلك فقد اجتهد وردى وقدم حفلات كبيرة فى القاهرة وفى عدد من العواصم العربية الأخرى ولكنها لم تفلح فى ارضاء طموحات الرجل وبالتالى لم تفلح فى ارضاء طموحاتنا نحن كسودانيين مؤمنين بروعة وجمال ما قدمه هذا العملاق الكبير هو وغيره من الفنانين الكبار وهنا أعتقد بأن هذا الفشل العربى فى مقابل ما حصل عليه الرجل من لقب ( فنان أفريقيا الأول ) هو ما دفع وردى لاتخاذ موقفه الذى كونه خلال السنوات الأخيرة والذى عبره يطالبنا اليوم بالاتجاه نحو افريقيا دون المنطقة العربية وهذا موقف لأ يستقيم من رجل قامة كل تجربته الفنية الغنائية انبنت على المفردة اللغوية العربية وكل مفردة من كوبليهاته التعبيرية حمات جزءاً من الثقافة والارث العربى بفكره وعقيدته الاسلامية .. واننى بحق أعتقد هنا أن وردى كفنان مغنى قد ظلم ظلماً بائناً ولو قدر له هو والموسيقارالفنان الكبير محمد الأمين الدخول فى منافسة حرة عادلة مع غيرهما من الفنانين العرب الآن لتقدم هذان العملاقان عن من سواهما نظراً لقوة اللحن والكلمة والصوت بجانب الانتاج الكبير والمتميز ولكن ماذا نقول .. هذا قدرنا أن نبقى هكذا فى دائرة حوار الطرشان هذه حتى فى مجال الغناء والتطريب .. لقد ظلم الرجلين كما ظلم بقية فنانينا وفننا السودانى ظلماً كبيراً ربما لسببين أولهما الاعلام كسبب لا اختلاف عليه وثانيهما الضعف البنيوى للموسيقى والغناء السودانى .. وهذه هو بيت قصيدنا هنا فباعتبار أن تطور الغناء يتبع وعلى نحو مباشر التطور الموسيقى فان تأخر الموسيقى السودانية وعجزها عن التطور هى ما أعاق تطور الأغنية السودانية وانى لأعجب من النتيجة التى خرجنا بها من وجود معهد متخصص للموسيقى استمر لعقود طويلة .. ؟؟ !! .. بماذا خرجنا اذا كان الماعون الأساسى والأول والمباشر للموسيقى ممثلاً فى الغناء قد فشل فى العبور بنا الى الخارج وأدخلنا هكذا فى دائرة حوار الطرشان التى لأ زلنا فيها الى الآن .. ؟؟ .. وهل التزامنا بالسلم الخماسى هو التزام ثقافى له ارتباط مباشر بمكونات ثقافتنا ووجداننا .. أم أننا فى سبيل يحثنا عن هوية غنائية وفنية تجمعنا مع محيطنا الاقليمى العربى المتفاعلين معه بالفعل يمكننا تجاوزه الى بناء محاولات أخرى بالسلم السباعى مثلاً .. الأستاذ الفنان الموسيقار محمد الأمين ذكر يوماً بأن الأذن السودانية تتفاعل مع السلم السباعى عبر الفنانين السودانيين بذات القدر من تفاعلها مع السلم الخماسى وربما أكثر ذاكراً تجارباً له هو شخصياً وعدد من الفنانين السودانيين .. !! .. اذاً هل بامكاننا اتخاذ خطوة جريئة كهذه .. ؟؟ .. نريد شيئاً من الحوار يا هؤلا ْ .. لأ تسدوا علينا الآفاق .. أرجوكم .. وهذه الأسئلة الأخيرة أذكر أننى وجهتها يوماً ما لعدد من موسيقيينا الكبار الذين تعاقبوا أو لازالوا على مناصب موسيقية مختلفة .. فكان رد أحدهم .. ( .. أننا لا زلنا فى حالة تطور موسيقى .. تحتاج الموسيقى السودانية للمزيد من الوقت لتتطور .. ) .. فقلت له .. ( .. يا أستاذ .. انتظرنا جهدكم لأكثر من خمسين عاماً ولم تخرجوا لنا بشىء .. كم تريدنا أن ننتظر لتفعلوا لنا شيئاً يخرجنا من حوار الطرشان هذا .. ؟؟ ) .. غضب الرجل ولاذ بالصمت .. وهكذا الحالة الغنائية الموسيقية السودانية الى اليوم .. غاضية .. صاخبة .. تائهة .. يل وعاجزة .. !! .. 

.. عزيزنا وردى .. لأ تغضب منا يا ( أعز الناس ) فستبقى بيننا أنت الطير المهاجر .. وأنت جميلة ومستحيلة .. وأنت لو بهمسة .. وسيبقى ( الود ) بيننا ما حفظت ذاكرتنا لك لحناً أو كلمة .. أطال الله عمرك وسرتك خاتمته .. وكل عام وأنت والحلنقى والشروق بألف خير .. 

‏‫من جهاز الـ iPhone الخاص بي‬

ليست هناك تعليقات: