# جارودى ..عندما يتحررالفكر.. !!
.. أكاد أقف عاجزاً تماماً عن الاجابة و محتاراً
أمام السؤال عندما أباغت نفسى أو يباغتنى أحدهم بالسؤال عن حجم ما استطاع المسلمون
جنيه وكسبه من موقف فكرى كبير وخارق كموقف الفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى أو رجاء
جارودى كما أطلق على نفسه فور اعتناقه الاسلام .. السؤال شديد الأهمية من جهة أن جارودى
لأ يعتبر فقط واحداً من الغربيين الذين
أسلموا وبين هؤلاء رموزاً ونجوماً وعلماء
وغيرهم .. الا أن جارودى يختلف عن هؤلاء جميعاً فى كونه قد تجاوز فضاء ايمانه
ووصوله الى الحقيقة الى ما تجاوز حنى الموقف الفكرى المعبر عن موقف صاحبه اتساقاً
مع روح الفكر والقلسفة الى الموقف الفكرى
المجادل صاحب القضية المصادم من أجلها والمجتهد لتأسيس موقفها من الآخرين وقد فعل جارودى هذا على نحو فيه من وضوح الرؤية
وجلاء النظر ما يمكن وصفه بنقاء الصورة الكاملة الشاملة و الرامية لحدود ما بعد
أفق النظارين وفيه من شجاعة و الافصاح
والمنازلة ما يمكن وصفه بالابهار المؤمن والايمان المبهر بالقضايا العقدية والفكرية
والسياسية معاً فى تلاقى مدهش تحدث به ارادة رجل أراد بالفعل أن يكون حراً طليقاً
فى فكره وموقفه تماماً كما والمهر الجامح لأ يوقفه أحد عن هدفه ولأ يصده آخر عن
مبتغاه ..
.. ولعل رحلة جارودى
الايمانية والفلسفية نقسها تبدو مثيرة ومحفزة للتعرف على الرجل عن قرب فجارودى
الذى ولد فى العام 1913م فتح عينيه وبصيرته فى أسرة ما كان لقيمة الدين وجود فى
حياتها على الاطلاق والالحاد كان هو المعنى الأقرب لوصف الحالة العقدية لها الا أن
روجيه اقترب كثيراً فى مراحل لاحقة من حياته من المسيحية وقد وضع قيمة الايمان
والطهر جملة واحدة على صورة السيد المسيح
( الذى وكما يقول جارودى نفسه ) قد أسس الاسلام موقفاً عظيماً منه باعتباره
نبياً أميناً على رسالة بعثه بها الله عز
وجل ليخرج بها الناس من سوءهم وكفرهم الى طهرهم ونقائهم وايمانهم بالله رباً
واحداً لأ شريك له وكما يمضى جارودى فان الرجل قد احتاج الى أربعين عاماً من
التزامه المسيحية للعبور الى الاسلام والحقيقة بعد رحلة طويلة من الحيرة والبحث
والتحرى الجاد والمثابر .. ويحكى جارودى أهم لحظات تحوله الفكرى والعقدى محدداً
ذلك فى حادثة شهدها العام 1941م خلال الحرب العالمية الثانية عندما نقل ضمن فرقة
المقاومة الفرنسية المندحرة بسقوط باريس أمام القوات الألمانية النازية الى
جنوب الجزائر فقد حدث
( ونتيجة لتمرد قاده جارودى مع المقاومين الفرنسيين المأسورين ) الى صدور
قرار باعدامه ضمن مجموعته المقاومة المتمردة الا أن من أؤكلت لهم مهام تنفيذ الحكم
رفضوا اطلاق النار عليهم حنى تحت التهديد والوعيد .. كان هؤلاء الجنود من المسلمين
الذين تتعارض عقيدتهم مع مبدأ قتل العزل من السلاح وقد قدموا لجارودى أول درس هز
قناعته بهمجية الاسلام والمسلمين .. يصف جارودى هذه اللحظة التاريخية فى حياته : (
.. هذا الموقف أوقفنى أمام منظومة قيم متكاملة .. لم يعد المسلم أمامى ذلك الهمجى
المتوحش .. ) .. وهكذا وجد جارودى نفسه مندفعاً للتعرف على الاسلام حتى احتكم اليه
كمنطق يضع الانسان فى علاقة مباشرة مع خالقه عكس الأديان الأخرى كاالمسيحية التى
لا تضعها هكذا مباشرة بين العبد وخالقه ..
.. وما يجعل الأمة العربية والاسلامية مدينة لهذا الرجل الى يوم القيامة
أنه قد واجه يشجاعة وقوة ومنطق فرية
المحرقة اليهودية مؤكداً عدم صحة الادعاء اليهودى الذى أسس اليهود منطق وجودهم
المعاصر عليه باعتبارهم من أكثر من تعرضوا للأذى النازى كما وقدم عبر طرحه الجرىء
هذا وعبر كتابه الشهير ( الأساطير المؤسسة لدولة اسرائيل ) تفنيداً منطقياً قال
فيه ( كيف يدعى اليهود أن هتلر قام بحرق 6 مليون يهودى بينما عدد اليهود فى أوروبا
لم يتجاوز آنذاك الثلاثة ملايين ونصف المليون فقط .. ؟؟ ) كما وقدم تفنيداً قوياً لكل ما ظل الكيان الصهيونى الاسرائيلى
يرويه ويشكل عبره وجوده وشرعيته وقد تحمل جارودى بسبب هذا الكتاب ضغوطاً غربية
كبيرة ما كان لأحد غيره أن يحتملها لولا صبره وايمانه بما وقر فى صدره وقد حوكم وصدر حكم بالفعل بسجنه مع وقف التنفيذ
.. وكما الفارس الذى لا تلين له قنا يمضى
جارودى فى مواقفه الرافضة للمواقف الصهيونية فيدين الاجتباح الاسرائيلى للبنان فى العام 1982م
وأتبعها برفضه القوى للمذايح الاسرائيلية فى لبنان والأراضى الفلسطينية المحتلة ..
لم يستكين الرجل أبداً فى منافحته لما وصفه بالأساطير والأصنام الفكرية المقيدة
للفكر الحر الذى يرى وكما يقول عبره الناس الحقيقة .. التى سعت قوى الشر دوماً
لحجبها عن العقول .. وهذا هو موقف جارودى الذى حرره من حيرته وهو ذات الموقف الذى
صاغ حركته الفكرية الداعمة لموقف الاسلام والمسلمين ويكاد العالم الاسلامى الآن أن
لأ يجد من بين المفكرين والفلاسفة والعلماء وأهل التاريخ من حاول رسم خارطة جديدة
للواقع الفكرى والسياسى والاجتماعى الذى
شكل عبره اليهود المنطقة منذ ما قارب الآن
قرن من الزمان بمثل ما فعل و جاهد روجيه
أو( رجاء ) جارودى .. وهكذا هو
الفكر عندما يتحرر تماماً كما والطوفان لا يبقى أمامه شىء من المسلمات والأساطير
الخرفة حتى اذا ما اكتمل الأمر وأتم القدر دورته خرجت الحقيقة كخروج الشمس مع أحلك
ساعات الظلمة .. عندها تتحرر العقول وتنطلق الأبدان فى رحلة التغيير .. وجارودى
يعلمنا كيف هو الفكر عندما يتحرر ويكسر قيوده .. لأ تقف أمامه الأساطير ولأ تصده
الأكاذيب والافتراءات الظالمة المخادعة ..
وحرياً بنا اليوم السؤال .. هل
استطاع العرب والمسلمين الاستفادة المرجوة من الموقف الفكرى الكبير والمتفرد لرجل
فى حجم هذا الرجل .. ؟؟ ..
.. رحم الله رجاء جارودى فقد أوفى
رجاءنا فيه بأكثر مما فعل أهلنا برجاءات أمتنا وآمالها فيهم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق