.. كنت على قناعة تامة ومنذ زمن طويل بأنه ووفقاً للحالة الاعلامية السودانية الراهنة أنه لأ حاجة البتة لوجود وزارة للاعلام ولأ أدرى متى ستصل هذه القناعة الى من بيده الحل والعقد ليؤمن بهذا الأمر ولعل ما تشهده الساحة الاعلامية الآن من مواجهات مستمرة ومتتالية بين وزير الاعلام و بعض من قيادات الأجهزة الاعلامية يؤكد بأن الأمر لم يعد محتملاً على أى شكل كان وأنه بات من الأفضل بل والحتمى الاتجاه لالغاء هذه الوزارة التى ظلت احدى الوزارات التى توضع دوماً ضمن وزارات قسمة السلطة بين المؤتمر الوطنى وغيره من التنظيمات والأحزاب السياسية المشاركة معه فى الحكومة ..
.. ولعل أس الخلاف بين وزير الاعلام وقيادات الأجهزة الاعلامية يتمحور أساساً حول المساحة التى يتحرك فيها هؤلاء وهم يمارسون مهامهم الادارية والفنية وغيرها على مستوى الاجمال والتفصيل وبين صلاحيات الوزير وقدرته أو ( رغبته ) فى السيطرة على زمام الأمر خاصة وأن من بشغل هذه الوزارة من الوزراء يجد وبحكم الوضعية التاريخية للأجهزة الاعلامية بالبلاد أنه أمام تحد حقيقى فى ادراك دوره ومهمته فى تكامل وانسجام مع رؤساء أجهزة اعلامية تتطلب مهامهم الكثير من الاستقلالية و ( الكاريزما الخاصة ) ليتمكنوا من الاحاطة والالمام ومن ثم السيطرة والاحكام للوسط الذى يديرونه ببشره وأفكاره وخططه المرحلية والاستراتيجية وهو أمر وان لم يتحقق يؤدى الى فشل من أوكلت له مهام ادارة أى جهاز من هذه الأجهزة والفشل هنا أكيد ولاجدال فيه فمن المدرك لمن له صلة بالنشاط الاعلامى المقروء أو المسموع أو المرئى بأن شخصية الصحيفة أو المحطة الاذاعية أو الفضائية التلفزيونية تتشكل هويتها ( المهنية ) بشخصية رئيس تحريرها أو مديرها العام فرئيس التحرير أو مدير الاذاعة أو الفضائية الذى لأ يفلح فى بناء شخصية مهنية قوية خاصة به ويمنصبه الذى بشغله كرأس رمح لمؤسسته يفشل وبالتأكيد فى بناء هوية حقيقية لها فبمقدار القدرة والمهارة الادارية والالمام التفصيلى بالدائرة الفنية وبقدرالسعة الفكرية المستوعبة للساحة والفضاء حوله وحول مؤسسته وبقدر حجم صلاحياته وقوة قراراته ونفاذها على كامل المساحة التى تليه وفقاً للقوانين واللوائح العامة والخاصة بالمؤسسة يكون النجاح أو الفشل لهذا القيادى .. لذا فانه من الأصوب وعلى الدوام أن لأ تخضع هذه المؤسسات لمعايير الخدمة المدنية على نمطية نظرتها الادارية والفنية اعتباراً لخصوصية النشاط وكذا نوعية الناشطين فبه وبالتالى فانه من المنطقى ألا يكون على رأس هؤلاء من يجد من حركتهم أو يقلص من صلاحياتهم خاصة ما يتصل بما يعرف ( بالصندوق البشرى ) حيث أن هذا الصندوق وفى مؤسسات كهذه لأ يحقق نجاحه من خلال ما هو معروف من أسس استيعابية نمطية بقدر ما يرتبط بالقدرات والمهارات والموهبة الفطرية وهو وضع يمكن أن يكون مماثلاً للأوضاع الاستيعابية فى مجال الابداع المختلفة بل وحتى فى النشاط الرياضى فأنت فى هذا الوسط تجد نفسك تقدم لاعباً موهوباً وصاحب عطاء كبير وذكاء وعبقرية على آخر ليست لديه ذات القدرات بل أنك تدفع لهذا ضعف ذاك حتى فى الأجر والحوافز .. هذه طبيعة الأشياء فى هذه الأوساط التى لأ تنفصم عنها الأجهزة الاعلامية المستوعبة والمعتمدة أساساً على هؤلاء المبدعين والموهوبين الذين يشكلون ( صندوقها البشرى ) .. وللتعامل مع هذه الوضعية فأنت تحتاج وبالضرورة لمنح رأس المؤسسة سواءً كان اذاعة أو صحيفة أو فضائية صلاحيات كاملة ومساحة لا محدودة للتحرك لتقديم الأفضل فالأفضل خاصة فى وجود سوق منافس بلغت فيه شدة المنافسة مستوى ما كان أحداً يتوقعه على النحو الذى هو عليه الآن .. لذا فانه من المعيب جداً أن تغيب هذه الحقيقة التى تمثل القاعدة الذهبية لنجاح المؤسسات الاعلامية وتحل محلها صورة غريبة وشاذة يتسبب فى حدوثها صراع ينشب هنا وهناك بين وزير الاعلام وقيادات هذه الأجهزة للمستوى الذى يصل الى هدم الشخصية المهنية لقائد المؤسسة أو الجهاز الاعلامى فتتهاوى تلك الشخصية وتتهاوى معها شخصية المؤسسة أو الجهاز نفسها بحيث تصبح صورتها بل وحتى هؤيتها ( المهنية ) فى حالة عدم وفقدان وزن تام .. وهذه أخطر حالة يمكن أن تصل اليها الوضعية الاعلامية بالبلاد خاصة اذا ما اقترن الأمر بظرف أمنى خطير وخطير جداً كالذى يحدث الآن ..
ولعله من الغريب جداً أن لأ يشعر أحد بقلق أجهزة الدولة العليا لمثل هذه الحالة على نحو يحرك ساكنها الى اللحاق بالأمر فبل أن يصل الى مراحل أكثر حرجاً خاصة وقد تحدثت الصحف و المجالس خلال الأيام الفائتة عن خلاف كبير بين وزير الاعلام ومدير وكالة السودان للأنباء انتهى باصدار الوزير لقرار يقضى بايقاف مدير الوكالة .. يحدث هذا خلال هذه الأيام التى تتصدى فيها القوات المسلحة السودانية وكتائب الدفاع الشعبى والمجاهدين لاعتداءات قوات دولة جنوب السودان على أراضى سودانية وتحتل وعلى أرض الواقع مدينة هجليج النفطية الهامة بما يهدد الامداد النفطى والحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين وبما ينعكس على الوضعية الأمنية برمتها .. ما الذى يحدث فى هذا البلد الغريب والغريب جداً .. وهذا هو وزير الاعلام من يفعل ذلك .. الوزير المناط به تقديم الخطاب الاعلامى المتوازن للدولة هو من يتسبب فى شل أداء وكالة الأنباء السودانية من خلال اتخاذ قرار بايقاف مديرها فى زمان خاطىء تماماً وهو أمر أشبه بارتكاب مدافع لضربة جزاء ( غبية ) تحتسب على فريقه فى لحظات ضغط يسعى فيها زملاؤه لاحراز هدف يحققوا به وعلى الأقل ( التعادل ) حتى لأ يخرجوا مهزومين فى مباراة أشبه ما تكون بمباراة كأس عنوانه واسمه ( نكون أو لأ نكون ) .. صدقونى لم أعد أفهم هذا البلد ومن يقودونه ..
.. ولكن وعلى أية حال يبقى الأمر الجوهرى هنا هو الاتجاه الآن وعلى نحو فورى لالغاء وزارة الاعلام تماماً وترك الأمر لقيادات الأجهزة الاعلامية مع تعيين ناطق رسمى للدولة بمهام محددة وفقاًُ لما هو عليه الحال بمعظم الدول حولنا بل والدول المتقدمة التى ليس لها ما يسمى بوزارة الاعلام البتة وقد ترك الأمر هكذا بمحددات الدولة وأهدافها وبرامجها المعلنة من خلال حكوماتها المنتخبة .. هذا أو فلتنتظر الساحة المزيد من الخلافات الداوية فى ظل رغبة جامحة لوزير الاعلام فى وضع الأجهزة الاعلامية وقياداتها وموظفيها تحت ابطه يحركهم عندما يريد ووفقاً لما يريد وهو أمر يتعارض جوهرياً مع طبيعة هذه الأجهزة ودورها خاصة فى مثل هذه المرحلة التى تعبشها البلاد بخطورتها الاقتصادية و الأمنية والعسكرية .. البلاد يا هؤلاء لأ تحتاج اليوم للسابحين عكس ( المسار ) بمثل عدم حاجتها ( لمسار ) ووزارته .. اللهم هل بلغت .. اللهم فاشهد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق