# مع شذى الربيع العربى ..أخيراً العراق حرة .. !!
.. أخيراً العراق حرة .. وكأن الأقدار تأبى للربيع العربى أن يمضى لمحطاته التاليات دون وأن تقتلع أرض الرشيد آخر جندى أمريكى دنس بأقدامه المتآمرة المجرمة بغداد ضريح الأنبياء وميلاد الامامين أحمد بن حنبل وأبو حنيفة النعمان و عاصمة العباسيين وجوهرة أبو جعفر المنصور الذى كتب اسمها من بين أقدم مدن العالم المتحضر حين أنشأها فى 145ه الذى يوافق 762م ذاك التاريخ الذى كان فيه من دنسوا أرضها اليوم فى غياهب الظلمات والجهل يلبسون جلود حيوان البرية ويأكلون ويتناسلون ويتغوطون معه فى العراء .. و الأحد الماضى ومن على شرفة التاريخ وقف صلاح الدين الأيوبى القائد الاسلامى الفذ الذى أنجبته أرض ما بين النهرين يحيى بفخر أحفاده المقاومين وقد فعلوا ما وعدوا وان تأخرت مهمتهم لما قارب التسع سنوات قضاها عراق الصمود يئن تحت وطأت الاحتلال الأمريكى الذى أزهق ما زاد عن مئات الآف من أبنائه ونسائه وشيوخه مغتصباً ومذلاً ومكرهاً فى وضح نهار ظلت شمسه تشرق على المشهد ثلاثة آلاف ومئتان وخمسة وثمانون يوماً دون أن يحرك أهل الملة واللسان بجيوشهم وملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم ساكناً .. الجميع يا صلاح الدين دفنوا الرؤوس و طأطأوا الهامات فى رمال عجزهم وشق خوفهم وتركوا أحفادك يقاومون ويقاومون ويقاومون حتى أذاقوا عدوهم طعم الموت فى أربعة آلاف وخمسون مرة وطعم الجرح المؤلم مئات ومئات الآلاف من المرات لأ باحصائهم وعدهم هم بل باحصاء العدو وعده والموت بدفتر الحقيقة أكثر والجرح أكثر وأكبر حتى ازدحمت مطارات واشنطن بالجثامين وامتلأت ساحات نيويورك ومنهاتن بجموع المعزين .. هؤلاء سيدى ما أخلفوك وعداً ولا فارقوك بطولة ولاخذلوك اقداماً ولا شجاعة فحقت عليك اليوم تحيتهم بمثل ما حقت عليك الشهادة لهم ..
.. وياله من مشهد ذاك الذى تم فيه انزال العلم الأمريكى ورفع فيه العلم العراقى فى صبيحة الخميس الماضى الخامس عشر من ديسمبر بحضور ليون بانتيا وزير الدفاع الأمريكى والقادة العراقيين وممثلى كافة البعثات الدبلوماسية والأمنية ببغداد ليعلن التاريخ انتهاء الوجود الأمريكى بالعراق ليعلو فى واشنطن صوت الرئيس الأمريكى باراك أوباما الذى يظهر فى مؤتمر صحفى تاريخى فى واشنطن بصحبة الرئيس العراقى نور المالكى ليؤكد على انتهاء وجود قوات بلاده بالعراق محذراً وكما قال ( الآخرين من التدخل فى الشئون العراقية ) فى اشارة سافرة لايران التى يقف حليفها على بعد سنتيميترات منه .. !! .. يا لها من مفارقة مضحكة .. أوباما من واشنطن يحذر ويعد فى آن واحد بمواصلة التحالف مع العراق طارحاً مساعدته للعراقيين فى مجال التعليم والصحة والزراعة .. !! .. والمالكى بجانبه يطالب الرجل باستمرار الدعم الأمريكى لبلاده خاصة فى مجال التدريب الأمنى والدفاعى ..!! .. وقبل أن يعود المالكى لبلاده تنفجر الأوضاع السياسية وتهدد القائمة العراقية بتعليق عضويتها فى البرلمان احتجاجاً على اتهام المالكى لها بالضلوع فى هجمات ارهابية فى محافظة ديالة .. هذا بينما يعلو صوت قادة اقليم كردستان الذين يعلنونها الآن مدوية بأن العراق قد انتهت فيه سياسة القبضة المركزية ولابد من الاعتراف بسلطات اقليمية كبيرة للاقليم تتيح له التصرف فى موارده الخاصة خاصة ما يتصل بالعقود التى تم توقيعها بالفعل مع شركات تنقيب بترولية عالمية دون التنسيق والرجوع لحكومة المالكى هذا بجانب مطالبتهم للحكومة المركزية الاعتراف بمشروع دستور الاقليم الجديد الذى يعطيه سلطات فيدرالية مستقلة .. هكذا اذاً تفهم العراق عقب انتهاء الامريكان من صياغة مؤامرة ما بعد الانسحاب .. فهل يأمل الأمريكان فى عراق تنتهشه حرب أهلية دائمة ومدمرة أم يأملون فى التحالف مع حكومة توالى لهم يظلون يدعمونها ويناصرونها حتى بعد انسحابهم وخروجهم من العراق .. ؟؟ .. والأيام حبلى بالأحداث والعراق موعود بالمزيد من الأقدار .. هكذا يقول الأمريكان المغادرين لأرض ما بين النهرين مكرهين مقهورين .. الا أن أحداث الربيع العربى ربما قالت شيئاً آخراً فمصر لم تعد مصر واليمن لم يعد اليمن وتونس الآن عروس العرب .. ولكن لنعود لذاك المشهد التاريخى .. مشهد الانسحاب الذى تم يوم الأحد الماضى والذى شاهده العالم وحرصت كل القنوات العالمية وعلى الأخص القنوات الأمريكية والأوروبية على نقله على الهواء مباشرة ( وكما هو العهد بها غابت القنوات الرسمية العربية الا ما رحم ربك من القنوات المتنافسة اخبارياً كالجزيرة والعربية والبى بى سى العربية .. الغائبون هنا هم الغائبون عن الوعى وقد حرصوا على نقل مباريات ويمبلدون بين الأخوات سيرينا و دنيس ويليامز و الروسيتان الينا ديمنتييفا ودينارا سافيينا بمثل ما حرصوا على اعادة بث مسلسلات غادة عبد الرازق وأغنيات اللبنانيتان نانسى عجرم وهيفاء وهبى .. ) .. الجميع من المتابعين كانوا فى حالة تاريخية وهم يشاهدون آخر قافلة أمريكية تسلم قاعدة الامام على فى مدينة الناصرية وتتجه من على الحدود العراقية الكويتية خارج أرض العراق عابرة حدود الكويت .. آخر قلعة للامريكان من ضمن 500 موقع سلمتها القوات الأمريكية وفق الاتفاقية التى أبرمت فى العام 2008م بين الحكومة الأمريكية والحكومة العراقية المنتخبة ( تحت قبة الاحتلال الأمريكى .. !! ) .. وهى الاتفاقية التى حفظت ماء الوجه للأمريكان الذين كادت حرب العراق أن تذهب بعقولهم مثلما ذهبت بأرواح جنودهم الذين فاق عددهم أى رقم من الضحايا الأمريكيين فى أى حرب خاضتها الولايات المتحدة فى عصرها الحديث وبالرغم من كل ما نهبوه من ثروات العراق خاصة النفطية منها الا أن استمرارالوجود فى العراق كان يعنى وبالتأكيد السعى تجاه كارثة حقيقية فمن ناحية ظل الرأى العام الأمريكى والأوروبى المشارك هو الأخر فى حمى متصاعدة مندداً ومنكراً على حكوماته الاستمرار فى التواجد على أرض العراق الحارقة حتى أصبح للحرب العراقية والمشاركين فبها من الجنود والشباب الأمريكى بصمتها على الحياة الاجتماعية وكذا الحياة الثقافية والفنية فما من عائلة أمريكية الا وأصبحت لها قصة عن قريب أو صديق أو صديق قريب أو جار اما قتل فى الحرب العراقية أو جرح أوأصابته عاهة مستديمة أو فقد عقله أو أصابه مرض الرهاب النفسى من الأصوات والانفجارات وما من منتوج سينمائى أمريكى ضمن أفلام الحروب والاقتتال الا واستوعب شيئاً من قصص حرب بغداد والفلوجة والبصرة والناصرية .. هذا أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة بعد حربها الأهلية بين شمالها وجنوبها فكيف لا يحتفل الأمريكان بالخروج من مستنقع دخلوه طامعين وخرجوا منه اليوم خائفين مرتجفين والقراءة الأمريكية دوماً سابقة للآخرين وهنا يتجلى الأمر أكثر عندما تعلم واشنطن وتدرك بأن الربيع العربى عبارة عن اعصار انطلق من غرب الساحل المتوسطى وبخبرتها فى قراءة سلوك أندرو وكاترينا وغيرها من أعاصيرها المدمرة فهى تدرك الآن أن الاعصار العربى لن يتوقف أبداً دون أن يدور دورته على كافة الفضاء العربى مثلما تدور أعاصيرها والادراك الأمريكى هنا يعنى بأن الشعوب العربية لم تعد هى شعوب ما قبل حادثة بوعزيزى فى تونس .. الآن الهتافات تعلو فى كل مدينة عربية .. لأ للقهر .. لأ للظلم .. لأ للاضطهاد .. نعم للحرية .. نعم للعدل والمساواة ونعم للمشروعات العربية التى دفنها القادة العرب المخلوعين عن كراسى الحكم .. ونعم لخطاب عربى خارجى جديد يعود بالأشواق والأحلام .. وهذه النعم الأخيرة وتلك .. هى التى قرأها الأمريكان بحكمة وهم يمضون فى اتفاقية 2008م دون تلكوء أو تأخيرأو تعديل والتأخير والتعديل فى تطبيق الاتفاقية كان هو الأقرب للحدوث من الانسحاب التام الذى اكتمل الاحد الماضى ولكن واشنطن تقرأ جيداً بأفضل مما يقرأ القادة العرب الذين يقاومون الآن قدراً محتوماً بالتغيير الثورى الشامل يعيد تشكيل مؤسسات الحكم العربية بمثل ما بشكل مؤسساته المجتمعية بأدواتها العدلية الضامنة والراعية لحرية الفرد والمجتمع .. الأمريكان أدركوا الآن أن عهداً جديداً تدخله المنطقة العربية تقودها شعوب بارادة حرة لأ نخب بمزاجات صفوية نخبوية وهذا هو الفرق بيننا وبينهم .. دوماً قراءتنا على جدار الخطأ بينما الآخرون قراءتهم دوماً على جدار الصواب .. والخطأ أبداً لم يكن خطأ شعوب المنطقة بمثل ما كان خطأ قادتها الذين يمضون الآن الواحد تلو الآخر غير مأسوف عليهم ..
.. وان كانت الولايات المتحدة قد خرجت الآن من العراق دون أن تهمل وضع خططها البديلة اما لتدمير العراق البلد الواحد المستقل بحرب أهلية طاحنة أو بقيادته عبر حكومة موالية وتابعة لها من خلال مساندة خارجية أو داخلية بمساعدة ما خلفته وما أخفته من تشكيلات أمنية وعسكرية بمسميات مختلفة تركتها داخل العراق .. فان البيت الأبيض هنا يكون قد أهمل فصلاً آخراً لم يقرأه بعد فى كتاب الربيع العربى .. فصل يحدثه عن القيمة التى ترتكز عليها ارادة التغيير العربية التى بحركها الشباب العربى اليوم الذى يقفز بارادته على سدة الحكم ليقول كلمته .. ومصر التى مهدت يوماً ما لجيش الاحتلال الأمريكى لدخول بغداد ليست مصر مبارك ولا تونس تونس بن على ولا ليبيا ليبيا القذافى ولا حتى اليمن يمن صالح والآخرون فى الطريق .. لن يكون القرار قرارهم ولأ الزمان زمانهم ..
الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق