.. بعد أكثر من ثلاثة سنوات من تاريخ قيامه بعملية أمدرمان الجريئة فى عام 2008م والتى خلفت بطبيعتها وشكلها الذى تمت به حالة من الدهشة والغموض لازالت تسيطر على الأذهان باعتبارها عملية فوق التوقعات وفوق الخبال .. أعلنت الحكومة يوم الأحد الماضى وعلى لسان الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة السودانية عن مقتل مؤسس وزعيم حركة العدل والمساواة المسلحة بدارفور الدكتور خليل ابراهيم وذلك أثر معارك طاحنة دارت خلال الأسبوع الماضى على حدود المنطقة مع كردفان وتحديداً فى منطقة ودبندة .. الحدث كان مفاجئاً يالرغم من ما طرأ من تطورات على الجبهة الليبية والسقوط المدوى الكبير للنظام الليبى بقيادة العقيد القذافىى الذى كان يعتبر الحليف الأول والأساسى للدكتور خليل ابراهيم وحركته بل أن هنالك من الأنباء ما تحدث مستنداً على شواهد ميدانية بدخول العدل والمساواة الحرب بجانب قوات القذافى وأبنائه ضد الثوار الليبيين وهو ما يشير الى عمق الصلة والوشلئج التى بنتها السنولت الماضية بين الجانبين حتى أضحى الأمر حلفاً استراتيجياً قوياً بينهما كما تشير عبارات الحماس المعبرة عن الفرح والارتياح ( والتى أطلقها الرئيس عمر البشير فور الاعلان عن مقتل الزعيم الليبى كاشفاً من خلالها عن دور مباشر للسودان عبر اسلحته فى تنفيذ العملية .. ) الى حجم الأذى الذى تضررت منه حكومة الخرطوم كنتاج لهذا الحلف بين خلبل والقذافى ..
.. ولعل مفاجأة الحدث تأتى من خلال الصورة والطريقة التى سقط بها زعيم العدل والمساواة فبالرغم من خبرة و معرفة الرجل ورجاله بطبيعة المنطقة الحدودية وما يحيطها من بيئة جغرافية واتساع مساحى كبير ومكشوف تصعب فيه المناورة والاختباء مع معرفة أكيدة بامكانبات الجبش السودانى فى مجال الطيران مع بعد المسافات بين نقاط التحرك والامداد .. بالرغم من ذلك كله تحرك الدكتور خليل بقواته على طول المساحة وعرضها فى عملية هى أشبه بالانتحار منه الى فعل عسكرى محترف أو على الأقل مدرك لما يحيطه من مخاطر ليست متوقعة بل أكيدة وهو أمر يدعو بحق للوقوف علبه بالتحليل لعل الأمر هنا ينجلى بأكثر مما انجلى فى عملية خليل الغامضة فى أمدرمان فى 2008م ومن مفاتيح الوصول لنتائج هنا هو ما يتصل بطبيعة الوضعية التى أضحت عليها حركة العدل والمساواة عقب مقتل القذافى وهروب قيادات الحركة لداخل الحدود السودانية بجانب العلاقات اللوجستية التى تبقت لها مع الحركات المسلحة الأخرى والتطورات بينها وحركة عبدالواحد نور والتى شهدت أخبراً أحداثاً مثيرة على المناطق الحدودية .. هذه مفاتيح هامة لفهم ما وقع على وجه التحديد والدقة الا أن هنالك مفتاحاً هاماً وهاماً جداً لابد من الامساك به لعبور بوابة الغموض الذى اكتنف العملية وهو ما يتصل بتطورات العلاقة بين خليل وحكومة جنوب السودان التى اتهمتها الحكومة أخيراً بدعم مخطط كبير لنقل عمليات الحركات المسلحة الى مناطق أخرى وكذا التحضير لعمليات عسكرية كبيرة ربما تصل حتى داخل الخرطوم .. !! .. فما هى طبيعة العلاقة الميدانية على وجهها الحقبقى الأن بين معسكر سلفاكير ودكتور خليل ابراهيم والتى ربما كان لها دور فى اقحام خليل نفسه فى معركة ودبندة التى لقى حتفه فيها .. هذه مفاتيح الفهم لمن أراد الوقوف على حادثة مقتل زعيم حركة العدل والمساواة الا أن هنالك أمر تزامنى يدعو للدهشة والاستغراب بين مقتل أطور الزعيم العسكرى الثائر على حكومة سيلفاكير وبين مقتل زعيم حركة العدل والمساواة بدارفور الدكتور خليل ابراهيم ووجه الدهشة هنا يأتى من وجهة أن كلا الرجلين يمثلان أكبر مهدد أمنى عسكرى على الجهتان اللتان يناهضانها .. خليل ابراهيم أثبت وعبر عملية أمدرمان أنه ودون حركات دارفور حضوراً على الميدان بفضل مساندة النظام الليبى له وعلى الجانب الآخر يقف القائد أطور على رأس الهواجس الجنوبية المزعجة للغاية لسيلفاكيير وحكومته .. ماذا يعنى هذا التزامن الغريب ..؟؟ .. كيف جاء مقتل خليل ابراهيم بعد أيام قلائل من مقتل القائد أطور .. الاجابة على هذا السؤال تعنى أن علينا أن نبخر بخيالنا بعيداً اذا ما أردنا الاثارة والتشويق اذ أن حكومتى السودان الشمالية والجنوبية ااذا ما أرادا وصفة ناجعة لازالة الاحتقان والتوتر بينهما على نحو جذرى فان من سيكتب لهما هذه الوصفة سيبادر بالاشارة الفورية الى ضرورة وقف الأعمال العدائية بينهما بما يتطلب نزع الأسباب من جذورها فاذا أراد الجنوب أن يستقر بدولة آمنة تتجه لبناء قدراتها وأصولها الاقتصادية وكذا اكمال بناء هياكلها الادارية والسياسية لتترسخ تجربتها وتعبر الى قدر جديد يصنفها بين الدول المعترف باستقرارها ونموءها فهذا يتطلب أن تختفى أسباب التوتر( التى مثل أطور أهم مكونها ) من جذورها وبالمقابل فان استقرار الشمال خلال المرحلة المقبلة يعنى قفل ملف قضية دارفورققلاً تاماً .. فهل يعنى هذا شيئاً ( مثيراً ) باسقاطه على حادثتى التصفية التى تعرض لها أطور والقتل التى تعرض لها أخيراً خليل ابراهيم .. ؟؟ .. هنا للخيال حضور وللاثارة دهشة .. ولكن من يمكنه كتابة وصفة كهذه للطرفين ومن يمكنه الجهر بها ووضعها فى اطار الممكن والواقع .. ؟؟ .. هنا يسأل الناس عن الأمريكان .. أين هم الآن من التواصل ما بين الخرطوم وجوبا .. ؟؟!! .. ولكن وبعيداً عن الخيال فقد تمت تصفية أطور وتم قتل خليل ابراهيم فى معركة عسكرية بمنطقة ودبندة على حدود الاقليم مع كردفان أثناء محاولته نقل الصراع الى مناطق خارج دارفور وربما الخرطوم نفسها .. هذه هى وقائع دفتر الحادثتين وفق الراوى الحكومى من جوبا والآخر من الخرطوم .. وصورالجثتين معروضة على الملآ ..
.. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن وبعد الاعلان الرسمى عن مقتل زعيم العدل والمساواة يقول .. ما هى اآثار المترتبة عن الحدث خلال المرحلة القريبة القادمة سواءً على حاضرو مستقبل حركة العدل والمساواة فى أعقاب غياب زعيمها من على المسرح أو على تعامل الجانب الحكومى مع التطورات السريعة المتوقعة للحدث خاصة ما يتعلق بمجهودات جولات المفاوضات المستمرة وما تمخض عنها فى الدوحة أخيراً .. وبالنسبة لحركة العدل فلا شك أن ما حدث سيمثل بالنسبة اليها حدثاَ قاصماً لظهرها فبالرغم من امكانية استمرار الحركة وتسمية خليفة لقائدها القتيل الا أن ما تمتع به دكتور خليل ابراهيم خلال قيادته للحركة من قدرات حركية عالية وكاريزما شخصية قوية سيطر من خلالها على قواته وحافظ عليها بعد أن أسسها وكتب لها الوجود ضمن الحركات الدارفورية المناهضة للحكومة فى الخرطوم .. سيعمل على تأخير استيعاب الحركة للحدث ان تجاوزته وحافظت على وجودها فليس من السهل ابداً على من يتبقى من قيادات العدل والمساواة تقديم قائد جديد يتمتع بقدرات قائدها السابق ولذا فان احتمال اندماج الحركة ضمن احدى الحركات الدارفورية التى لم تضع السلاح الى اليوم سيصبح احتمالاً وارداً وبحظوظ كبيرة وواقعية الا أن هذا الاحتمال سيصطدم بطبيعة عقيدة مقاتلى العدل والمساواة .. فهل يمكن ان يحدث اندماج بين هذه القوات التى بناها خليل بمرجعياته الفكرية مع أى فصيل آخر من فصائل الحركات الأخرى .. الواقع يقول نعم ولكن على درجة مغايرة تماماً اذا ما تم هكذا اندماج فى حياة الدكتور خليل ابراهيم .. اما على الجانب الحكومى فان النجاح فى القضاء على زعيم حركة العدل والمساواة التى تورطت فى عملية غزو أمدرمان الشهير يعد بالنسبة لها نجاحاً كبيراً ومدوياً من الناحية الميدانية العسكرية بينما يظل الأثر السياسى والقيمة السياسية لهذا النجاح مرهوناً بما يمكن أن تحدثه مجهودات السلام الجارية الآن .. فهل سيدفع ما تم الآخرين للاقتراب أكثر من مائدة المفاوضات مع الخرطوم أم سيبعدها أكثر .. الاجابة هنا تبدو عسيرة الا أن الواقع الذى نشأ بعد زوال النظام الليبى الذى كان يمثل الحليف السياسى والعسكرى لحركة خليل كان يمكن معه انتهاج طريق آخر للتعامل مع حركة منهارة تتقهقر الى الخلف بفعل فقدانها لدعمها العسكرى مع غياب القذافى واذا ما تم اعتماد شىء كهذا فلم يكن من المستبعد أبداً التوصل الى اتفاق يجلس معه خليل ورفاقه على طاولة المفاوضات حيث لأ امل فى كسب شىء على الميدان أكثر مما كان متاح ابان وجود النظام الليبى ولكن يبدو أن أحداث ودبندة واضطراب الأحوال الداخلية داخل العدل والمساواة مع الشك القائم ازاء هذا التزامن الغريب بين تصفية أطور ومقتل خليل .. كل ذلك ربما يعطى تفسيراً لما حدث أخيراً فى ودبندة ..
الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق