E - mail : ellogman @ yahoo.com خالد حسن لقمان
بوش وميركل .. حيرة فى تكساس
لم تتجل الحيرة على الرئيس الأمريكي جورج بوش بسبب الملف الايراني منذ تصاعده المتواتر خلال السنوات الأخيرة بمثل ما تجلت واضحة على وجهه خلال الزيارة التى استضاف فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى مزرعته الخاصة فى ولاية تكساس الأيام الماضية .. بدا الرجل وعلى وسطه حزامه العريض بحلقته المعدنية الضخمة وقميصه ذي الأكمام القصيرة وقد لامست يداه بارتجاف وتوتر يدى ضيفته العجوز .. أشبه بالمستجدي لساعة استجمام بعيدة المنال فى ظل الحضور المفزع للكابوس الايراني الذى بات يطارد الرجل خلال الأسابيع الأخيرة أينما قصد أو حلت به عصا الترحال..
«كان سيكون للشعب الايراني آماله وتطلعاته نحو حياة مستقرة ومترفة كما كان سيكون أمامه مستقبل واعد لأجياله القادمة إلاّ أن حكومته تحرمه من هذه التطلعات ومن هذا المستقبل» .. هذه هى كلمات بوش التى صرح بها أمام عدسات المصورين والصحفيين فى وجود المستشارة الألمانية التى أكدت بدورها على حقيقة التفاهمات الاستراتيجية بين بلادها والولايات المتحدة فيما يتصل بالملف الايراني الا أنها عجزت عن اعطاء صورة متكاملة لهذه التفاهمات تخلو من خلافات كبيرة بين الطرفين تمنع تطابق الرؤى والأفكار والمخططات بمثل ما أرادها الرئيس بوش الذى اختار مزرعته الخاصة ( التى ابتدعها لتماثل خصوصية القصر الملكى البريطانى فى استضافته النوعية لبعض الزعماء ) ليجلس مع أحد أهم الأقطاب الأوروبية بهدف بلورة رؤية تصلح كمشروع تفاهمى أوروبى -أمريكى تجاه الملف الايراني تمهيداً لخطوة فاعلة وحاسمة تجاه طهران تنهي طموحاتها النووية عبر اجراء حاسم يتقبله المجتمع الدولي بشكل أو بآخر .. ويبدو أن بوش قد وضع آمالاً كبيرة على المستشارة الألمانية فى أعقاب غياب سلفها الذى مثّل مع الرئيس الفرنسي السابق أكبر تحدٍ أمام الرئيس الأمريكي لاختراق الموقف الأوروبي .. ولكن ها هى خيبة الأمل تعود بحيرتها على وجه الرئيس بوش بالرغم من كل ما بذله من جهد لانتزاع موقف ايجابي كامل من المستشارة الألمانية التى بدت متمنعة تجاه ذلك على نحو مثير ومدهش .. !!
والأسئلة هنا تنزل على رأس المراقبين كقطرات المطر .. لماذا بدا الموقف الألماني على هذا النحو المتمنع تجاه المضى قدماً مع بوش وأفكاره فيما يتصل بالملف الايراني .. ؟؟ وهل تمسك طهران بالفعل أطراف خيوط لها أهميتها وتأثيرها للحد الذى يبطل احتمالات التعاون والتحالف الأمريكي - الأوروبي للتعامل المشترك ضد ايران ..؟؟!! وهل يمكن أن يمنع هذا الفشل التحالفي الولايات المتحدة لتعمل فى المستقبل القريب والقريب جداً منفردة بما يؤدى لفعل أمريكي مباشر وحاسم ضد طهران .. ؟؟
وبالنظر لطبيعة العلاقات والارتباطات الايرانية - الأوروبية بجانب ما يتشكل عليه الموقف الدولي الآن تبرز بالفعل مسببات تبرر هذا العجز الأمريكي فى صياغة موقف أوروبى متوافق مع الرؤى الأمريكية تجاه ايران أهمها :
(-) العمق التاريخي للعلاقات الاقتصادية الايرانية - الأوروبية خاصة مع ألمانيا التى تمثل أحد أهم الأقطاب الأوروبية سياسياً واقتصادياً على النحو الذى يصعب معه تشكيل أى موقف أوروبي دون أن يكون للألمان دور بارز فى صياغته واخراجه ويمثل البترول الرابط الأكثر حضوراً فى هذه العلاقات حيث ظلت أوروبا تعتمد اعتماداً كبيراً على بترول المنطقة بنسبة تصل الى اكثر من (60 %) من جملة احتياجاتها النفطية فيما ظلت ألمانيا داخل هذه الدائرة التى زاد اتساعها خلال السنوات الخمس الأخيرة لتصبح أوروبا وألمانيا تحديداً داخل الفك النفطي لمنطقة الخليج عامة وايران خاصة وهذه الوضعية تجعل من ايران معادل استقرار حقيقي للاقتصاد الأوروبي والألماني وهو ما يفسر الجرأة التى يتحدث بها الايرانيون وهم يلوحون بعصا تهديدهم للأوروبيين فى مواقف مارست فيها الولايات المتحدة ضغوطاً قوية عليهم لتمرير عقوبات وقرارات ضد ايران .
هذه الوضعية دفعت بالخلافات الأمريكية -الأوروبية وأخيراً الألمانية على نحو مكشوف حول الأسلوب الذى يجب اعتماده للتعامل مع الملف الايراني وجاء اجتماع تكساس الأخير بين بوش وأنجيلا ميركل ليؤكد هذا الخلاف بجلاء ووضوح فالطرفان أكدا على استراتيجيتهما المشتركة تجاه الملف الايراني الا أن هذا التعبير ظل حبيس التفسير والتعامل الواقعي فبالرغم من تعهد ميركل لبوش بسعيها لتقليص التعاون الاقتصادي الألماني -الايراني الا أنها عادت لتربط ذلك بالنتائج التى يمكن أن تخرج بها من جلوسها مع الشركات الألمانية التى تمثل هذا التعاون بين بلادها وايران بما يعنى عدم انتظار نتائج عاجلة أو مؤثرة تخرج بها تلك المحاولة مع الشركات الألمانية، وبجانب هذا جاء تناقض موقف المستشارة الألمانية واضحاً عندما أعلنت تطابق وجهات نظرها مع مضيفها الرئيس بوش فيما يتعلق بضرورة فرض المزيد من العقوبات على ايران حيث عادت لتؤكد أهمية أن لا يلجأ طرف ما ( فى اشارة للولايات المتحدة ) لاعتماد خطوات فى هذا الشأن منفرداً دون أن تكون الأمم المتحدة حاضرة ومنسقة رئيسية لأى اجراء من هذا النوع ولم تكتف ميركل بهذا بل ألمحت وعلى نحو يميل للتأكيد والقطع بعدم رغبة ألمانيا فى وضع عراقيل مصرفية تمس علاقتها مع ايران على الأقل حالياً كما جاء فى تعبيرها .. اذاً لايران بالفعل خيط سميك هنا تمسك به بقوة وتستطيع من خلاله شد اللعبة فى الوقت الذى تشتد فيه عقدة الأنشوطة على رقبتها ..
ويمتد تأثير هذه الوضعية ليجعل من الاستقرار الأمني فى هذه المنطقة الحيوية ببترولها هدفاً أوروبياً أساسياً وايران فى هذا تمثل النافذة التى يمكن أن تسد عليها الريح فى ذات الوقت الذى تمثل فيه البوابة التى يمكن أن تفتح على العاصفة خاصة بعد المعادلة العراقية الأخيرة التى باتت ايران تمثل أحد أهم أطرافها على الاطلاق بما تملكه من تأثيرات أمنية واسعة ليس على أرض العراق فقط ولكن أيضاً على الحالة السورية واللبنانية والفلسطينية وهو الخطأ الذى لا زال الأوروبيون يحملونه للأمريكان سواءً بخطأ تقديراتهم فى الدخول للعراق أصلاً أو لفشلهم فى معالجة الأوضاع الأمنية المتفاقمة يوماً بعد آخر للحد الذى أدى الى وصول القتلى من الأمريكيين أنفسهم لما تجاوز الثلاثة آلاف وثمانمائة جندي حسب الأرقام الأمريكية الرسمية وهو ما يؤكد ذلك الفشل على نحو تام لا جدال فيه بحيث تصبح المدافعة عنه من قبل بوش محاولة هى الأخرى فاشلة وهذا ما يعني فى نهاية المطاف سخف فكرة الدخول فى مغامرة جديدة .. هذا هو منطق الأوروبيين الآن من أية محاولة أمريكية لبلورة موقف أوروبي لاتخاذ اجراءات أكثر حسماً تجاه ايران بما يجعل المهمة الأمريكية صعبة ان لم تكن مستحيلة للوصول لموقف أمريكى -أوروبى موحد يعبر عن مثل تلك الأفكار الكبيرة والخطيرة ..
وعلى هذا النحو خرجت عطلة العمل الأمريكية -الألمانية فى تكساس لتزيد من حيرة جورج بوش حيال الملف الايراني المتضخم يوماً بعد آخر .. ليبقى السؤال .. هل ستتجه الولايات المتحدة بعد هذا الفشل المتكرر فى صياغة موقف دولي حاسم تجاه ايران الى اعتماد حل فردي مغامر بمثل ما فعلت لمرتين سابقتين فى المنطقة ..؟؟ وعلى أى السيناريوهات ستخرج مغامرتها هذه المرة .. ضربة أمريكية منفردة تتحمل بعدها واشنطن كافة النتائج أم ضربة اسرائيلية بغطاء سياسي ودبلوماسي أمريكي واسع ..؟؟ .. ولصعوبة الأمر يبدو كل من الخيارين مجنوناً أكثر من الآخر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق