الاثنين، 17 سبتمبر 2007

خالد حسن لقمان
ellogman@yahoo.com : E-mail

* البترول السودانى فى ثمانى سنوات .. قراءة أولى ..!!


.. الى وقت قريب كان الشعب السودانى يوصف من قبل الأشقاء العرب بالصرامة المطلقة كأسلوب لحياته وقد ذادت هذه الصفة بجانب ما عرفنا به بالخارج من أمانة وصدق ووضوح وشهامة وكرم من احترامنا عند الآخرين للحد الذى أضحى معه ميزان التفضيل للعمالة الأجنبية لدى مجتمعاتنا العربية الشقيقة يميل بالكامل لصالح شعبنا السودانى بطيب أخلاقه وحلو معشره .. الآن يدخل معادل جديد لشخصيتنا السودانية .. الطرفة والرغبة فى شىء من التحلل من هذه الصرامة المطلقة الى رحاب أخرى تدفع اليها أجيالنا الجديدة دفعاً لتشكيل وجه سودانى أقل صرامة و أكثر تسامحاً مع روح المداعبة والمرح .. ( بالله ده حال ناس بصدروا بترول ليهم ثمانية سنوات .. ؟؟!! ) .. هذه العبارة الساخرة جاءت فى كاريكاتير دفعت به احدى الصحف اليومية قبل يومين متزامناً مع احتفالات وزارة الطاقة بالعام الثامن لتصدير النفط السودانى .. فى الكاريكاتير يهمس أحدهم بتلك العبارة لآخر تبدو عليه هو الآخر علامات الحيرة والفقر معاً ..

.. روعة هذه الكاريكاتير تتجلى فى أنه حمل ملخصاً بديعاً لما يمكن أن يكون فى أذهان الجميع وقد اختصر آلاف الكلمات فى عبارة ذكية ومباشرة وبسيطة .. ( بالله ده حال ناس بصدروا بترول ليهم ثمانية سنوات ..؟؟) .. ترى هل وصل هذا الكاريكاتير للدكتور عوض أحمد الجاز وزير الطاقة والبترول ..؟؟ وترى ماذا كان سيكون رد السيد الوزير اذا ما باغته أحدهم بهذا السؤال ..؟؟ .. على كل حال يبقى السؤال الذى يدفع بالتأمل لمحاولة رصد ما يعتبر تحولاً ايجابياً فى الواقع السودانى عقب تصدير النفط ومرور ثمانية أعوام على هذا الحدث الكبير .. فما الذى طرأ ايجابياً على الحياة السودانية بكافة جوانبها .. ؟؟ وللاجابة على هذا السؤال يجب البحث فى ثلاثة جوانب بعينها :

أولاً / الجانب الاقتصادى :
.. على الجانب الاقتصادى لن يجد أحد ومهما كان موقفه السياسى حرجاً فى وضع كلتا يديه باصماً وبأصابعه العشرة على ما تحقق باعتباره تحولاً اقتصادياً حقيقياً مبهراً قفز بالسودان من مرتبة وضيعة ومتأخرة ضمن الخارطة الاقليمية للمنطقة الى مقدمة دولها المحققة لأعلى معدلات النموء والتطور الاقتصادى وقد شهدت بهذا التحول المنظمات الاقليمية والدولية الراصدة لمعدلات النموء الاقتصادى الدولى والاقليمى هذا فيما احتل السودان خلال السنوات القليلة الماضية مكانة تتأرجح بين المركزين الأول والثانى بين الدول العربية الجاذبة للرساميل المستثمرة فى المنطقة العربية والأفريقية معاً بل أن ما حققته نسبة مشاريع البنية التحتية الثقيلة بالسودان فاقت وبالأرقام كل معدلات ونسب النموء والتحول فى خارطة مشاريع البنى التحتية فى المنطقة الأفريقية وقد مثلت العمليات النفطية والتعدينية بالسودان العمود الفقرى الذى استندت عليه كمؤشرات تقارير المنظمات والمراكز الاقليمية والدولية صاحبة الاحترام فيما تعلنه من تقارير دورية تعتمد المنهجية والعلمية فى الرصد والتحليل لمجمل التحولات الاقتصادية لمناطقها المستهدفة .. وبالفعل مثل البترول ثورة جديدة فى تاريخ الاقتصاد السودانى فمنذ أن تم عكس اتجاه التدفق لخطوط الأنابيب الناقلة للبترول من الخارج الى ميناء بورتسودان ومواقع الاستهلاك الأخرى لتصبح هذه الأنابيب مصدرة بعد أن كانت مستوردة .. كتب للاقتصاد السودانى فجر جديد تقدمت بعده مشاريع البنى التحتية من طرق وجسور وسدود ومشاريع ضخمة فى مجال الاستثمار الصناعى بمختلف نشاطاته الثقيلة الشاملة لصناعات التجميع والحديد والصلب بجانب الصناعات الأسمنتية والكيمائية الشاملة لقطاعات الأدوية والمحاليل الطبية فضلاً عن الصناعات الغذائية التحويلية وغيرها من نشاطات القطاع الصناعى التى تمددت الآن فى مناطق صناعية جديدة كبرى تجاوزت بمساحاتها كل مساحات النشاط الصناعى منذ فجر الاستقلال فى العام 1956م بما مثل فتحاً حقيقياً للاستثمار الصناعى العربى والأجنبى بالسودان نتيجة لما أحدثه قطاع النفط من نجاحات ذادت من قدرة البلاد على جذب الأموال المستثمرة للدخول للسودان .. وعلى مستوى القطاع الخدمى فقد نال هذا القطاع حظه من الفتح البترولى الكبير ليذيد من تطوره فى مجال التعليم العام والعالى بجانب القفزة المهولة فى قطاع الاتصالات الذى فاق ازدهاره مخيلة جميع المراقبين للشأن السودانى للحد الذى بات معه هذا البلد المنعزل ولسنوات طويلة عن حركة الاتصالات الحديثة مصدراً لخبرات وامكانات مذهلة فى هذا القطاع الحيوى حيث استطاعت احدى شركاته الوطنية أن تنتزع فرصاً استثمارية كبرى بالخارج من بين أسنان الشركات العالمية الناشطة فى هذا المجال بالمنطقة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط وهذا تطور نوعى لا شك فيه ليس على مستوى قطاع الاتصالات السودانى كشبكة ولكن على مستوى خبرة الكادر السودانى نفسه وهو ذات الشىء الذى أفرزه قطاع البترول من خبرات كان لها دور فى بعض دول الجوار الأفريقى .. هذا بالطبع مع ما حققه قطاع الاستثمار العقارى من قفزة ضخمة ومثيرة للاهتمام فيما بدأت بنيات مشاريع القطاع الزراعى تأخذ الآن حظها من ثورة النفط السودانى حيث بدأت بعض المشاريع القديمة الضخمة فى التهيؤ لمرحلة جديدة تتجاوز عجزها التاريخى فيما تهيىء الدولة الآن للمشاريع الزراعية الحديثة القنوات والجسور والطرق لربط مواقع الانتاج بمواقع الاستهلاك مع ادخال مناطق أخرى ظلت مهمشة ولسنوات طويلة لتدخل دائرة الانتاج الزراعى .. كل هذا يقول بأن البترول السودانى قد أطل بقوة على الحياة السودانية الاقتصادية .. لأ جدال على ذلك الا من من يريد أن يبخس الناس أشياءهم ..؟؟ هل هذه الاجابة تثلج صدر الأخ وزير الطاقة والتعدين ..؟؟!! أم أنها تجعل السؤال معلقاً لا زال بين السماء والأرض .. ( .. بالله ده حال ناس بصدروا البترول ليهم ثمانية سنوات .. ؟؟ ) ..

ثانياً/ الجانب السياسى :
.. هذا الجانب يختصر نفسه فى اتجاهين الأول سلبى والآخر ايجابى أما الايجابى فقد كان لثورة البترول دوراً حقيقياً فى الوصول لحل ناجع وسريع لقضية الجنوب وبالتالى ايقاف نزيف الحرب الذى أهدر قدرات البلاد البشرية والمادية وبالرغم من المتعلقات التى لا زالت تثقل مشروع السلام بين شريكى نيفاشا نتيجة لخلافاتهما المتصلة بالثروة النفطية وعائداتها الا أن ما يحدث الآن من خلافات فى وقت السلم لأ تقارن البتة بواقع الحرب البغيض الذى أذهق أرواح أبناء الوطن الواحد وعطل قدراته التنموية بالكامل .. البترول جاء بالسلام منطق مقبول ياسيادة الوزير .. ولكن بالمقابل ( وهذ هو الاتجاه السالب ) جاء البترول بسلسلة لانهاية لها من الأطماع الدولية التى جعلت السودان الآن أكبر دائرة موردية تتصارع عليها القوى الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة وعدد من حليفاتها الغربيات هذا بجانب ما تخفيه نوايا آخرين لا زالوا ينظرون للنيل ومنابعه وبحيراته العظمى باعتبارها حقاً مشروعا لوطن شاسع يجمعهم من النيل الى الفرات .. نعم أحلام ولكنها لأ زالت قائمة وساكنة فى تلك العقول المتعفنة بأفكارها وأطماعها .. هذه الأطماع أتى بها البترول فى شكل جديد أكثر شراسة ووضوح واصرار على انتزاع نصيب ما من كعكة السودان السوداء وما على هذا البلد ( وقد أطل على العالم كمصدر جديد للطاقة الحيوية للعالم المتقدم والمتطور بفتوحاته الاقتصادية والتكنولوجية التى تجعله نهماً الآن أكثر من أى وقت مضى تجاه البترول ومصادره ) الا أن يواجه هذا الواقع من الصراع مواجهة مكشوفة وواضحة بقدر وضوح أطماع أطرافها ..

ثالثاً / الجانب الاجتماعى :
.. ( بالله ده حال ناس بيصدروا البترول ليهم ثمانية سنوات .. ؟؟ ) .. نعم هذا هو مكان هذه العبارة .. فهل يمكن أن نقول الآن وبعد مضى ثمانية سنوات من عرس تصدير النفط السودانى أن مجتمعنا السودانى قد وصلته خيرات هذا السائل السحرى .. الاجابة صعبة بقدر صعوبة السؤال نفسه فمن الطبيعى أن نقول بأن ما تشهده البنية التحتية للاقتصاد السودانى من تطورات متسارعة فى كافة مجالاته الصناعية والخدمية والزراعية ستصب يوماً ما فى مصلحة وحياة هذا الشعب المغلوب على أمره الآن ولكن متى يأتى هذا اليوم ..؟؟ متى يأتى ..؟؟ وهل كان بالامكان التسريع بهذا اليوم اذا ما تم توجيه عائدات النفط بأفضل مما حدث ..؟؟ من يجيب على هذا السؤال ..؟؟

.. وأخيراً وبرغم كل ما يمكن أن يكون تقصيراً فى أى جانب من الجوانب المرتبطة بالسياسات الموجهة لعائداته فقد مثل البترول برجاله الذين استخرجوه وضحوا من أجل أن يكون واقعاً معاشاً مرحلة جديدة فى عمر الأمة السودانية تستشرف معها وبثقة مستقبل مشرق لأجيالها الحاضرة والقادمة ومن حق الدكتور أبو الجاز ورفاقه الآن أن يحتفوا بما أنجزوا وسيكتب لهم التاريخ وبلا شك صفحة ناصعة من صفحاته المشرقات فى تاريخ السودان المعاصر .. ولكن فليظل السؤال الساخر ماثلاً أمامنا ليدفعنا للأمام عاماً بعد عام .. ( .. بالله ده حال ناس بيصدروا البترول ليهم تسع سنوات ..؟؟ ) .. فلنسأل هذا السؤال العام القادم ولنرى حينها الاجابة ..

ليست هناك تعليقات: