الخميس، 13 سبتمبر 2007

البشير الى ايطاليا والفاتيكان


خالد حسن لقمان
ellogman@yahoo.com : E-mail
*مع اطلالة رمضان .. البشير الى ايطاليا والفاتيكان ..!!

.. بلا شك ستكتب الزيارة التى يبدأها اليوم الرئيس عمر البشير لايطاليا والفاتيكان نفسها فى سجل التاريخ السياسى السودانى المعاصر باعتبارها زيارة تاريخية شديدة الأهمية فى وقت تتدافع فيه الأحداث الداخلية والاقليمية والدولية تجاه الخرطوم على نحو متسارع ما يكاد يصل بها والعالم من حولها الى محطة ما حتى يندفع من جديد تجاه أخرى .. لماذا قرر البشير اقتحام المربع الأوروبى و الجدارالبابوى فى هذا التوقيت الذى يصادف اطلالة شهر رمضان المعظم .. ماذا أراد بهذا التوقيت الزمنى والى ماذا تهدف هذه الزيارة النوعية .. ما هى نتائجها المتوقعة على الوضع المحلى والاقليمى والدولى للسودان ..؟؟ هذا هو السؤال الذى يستحق دون غيره عناء البحث والاجتهاد لمحاولة الخروج باجابة شافية وموضوعية عليه ..

.. وبالنظر المتأمل للوضع السياسى السودانى الآن تبرز ثلاثة أهداف أساسية تعبر بتداخلها عن الأساس الذى انبنت عليه فيما يبدو فكرة الزيارة وأهدافها اعتباراً لما يمكن أن يتحقق عبرها من نتائج ايجابية مباشرة على الوضع الداخلى بارتباطاته الاقليمية وأبعاده الدولية :

االهدف الأول / الكشف عن الصورة الحقيقية للسودان أمام المجتمع الأوروبى والمسيحى فيما يتصل بأفكاره
وفلسفته تجاه مبادىء التعايش والتسامح الدينى والالتقاء الحضارى المتحاور غير المتصادم

.. وبرمزية التوقيت الذى تصادفه هذه الزيارة مع اطلالة شهر رمضان بسماحته وكرمه يأتى هذا الاتجاه الذى يعززه تاريخ سودانى عميق يحكى قصة التسامح الاسلامى – المسيحى بين أبناء الأمة السودانية عبر حقب متعاقبة شهدت ازدهاراً مدهشاً لممالك سودانية مسيحية مثلتها نوباتيا وعلوة والمغرة
وأخرى اسلامية حاضرة بثقافاتها الاسلامية كالحقبة السنارية فيما امتد التاريخ ليصل بالسودان المستقل الى حكوماته الوطنية بدستورها الوطنى وقوانينها الوطنية الحافظة لحقوق الجميع اعتباراً لمواطنة تجمعهم بمختلف دياناتهم وثقافاتهم .. ويزدان هذا التاريخ بسجل خال تماماً من أية نزاعات دينية سببها اختلاف العقيدة اذ لم يشهد تاريخ السودان السياسى أية صراعات دينية فيما كان الاختلاف والصراع فقط حول أشكال مختلفة للثروة وأخرى للسلطة وهى صورة نادرة وفريدة فى بلد ضخم يعتبر بجغرافيته وتاريخه واثنيته أكبر بلد فى المنطقة العربية والافريقية التى شهد تاريخها القديم والمعاصر صوراً مؤسفة للاقتتال الاثنى والدينى بمذهبياته بينما ظل السودان صاحب أفضل وجه افريقى وعربى يعبر عن التسامح الدينى والثقافى والاجتماعى وصور اليوم تحمل كل ما صنعه الأمس .. المساجد والكنائس يجاور كل منها الآخر ويلاصقه ..!! المسلمون والمسيحيون يتداخلون اجتماعياً على نحو مدهش وفريد فى حركتهم المعيشية و الاجتماعية التى تجاوزت الجوار للتزاوج والتصاهر بما أوجد لحمة اجتماعية متفردة بصورتها وطبيعتها وفى هذا الشهر الذى يلتقى فيه البشير بابا الفاتيكان يجالس عدد كبير من الدستوريين السودانيين من وزراء وممثلى رئاسة الجمهورية السودانية كبار الأساقفة ورجال الدين المسيحى السودانيين على افطار سنوى بمناسبة شهر رمضان المعظم لدى المسلمين .. هذه هى الحياة السودانية بسماحتها وتعايشها الدينى فيما يعزز هذه الصورة وعى دستورى وقانونى سودانى متطور بقضية التسامح والتعايش الدينى وقد انتهى ذلك أخيراً بتضمينها كبند متكامل فى اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب الموقعة فى نيفاشا بجانب ابرازها أساساً من أسس دستور السودان للعام 2005م هذا فيما شهدت الساحة السودانية تشكيل أجسام حقيقية للمحافظة على روح التعايش وحفظ الحقوق المشتركة اهمها :
(-) مفوضية حقوق غير المسلمين الناشطة الآن فى وضع أسسها وتشكيل هياكلها ووضع خطط عملها .
(-) قيام مجلس التعايش الدينى كمجلس طوعى وأهلى ترعى مناشطه عناصر وطنية اسلامية ومسيحية.
(-) قيام المجلس الاستشارى الاسلامى – المسيحى لوزير الارشاد والأوقاف الذى نشأ فى العام 2006م .
وقد بدأ نشاط المؤتمرات الخاصة بقضية التعايش الدينى منذ العام 1993م بقيام مؤتمر حوار الأديان بالسودان كما كان آخرها المؤتمر الدولى للحوار الاسلامى – المسيحى الذى عقد بالخرطوم فى يوليو الماضى وهو المؤتمر الذى خرج بوثيقة أمنت علي ما جاء فيها جميع الطوائف الدينية والمذهبية بالسودان .. هذه الجهود السودانية تعكس حجم الجدية تجاه بناء فكرة التعايش الدينى وهو ما يحتاج الآن لعكسه عبر زيارة الفريق البشير لتغيير تلك الصورة السالبة التى حاول الآخرين رسمها للسودان فيما سيكون التعريف مفيداً بعكسه لرؤى الخرطوم وأفكارها تجاه القضايا الاسلامية الأم كالقضية الفلسطينية وما يتصل بها من التقاء تاريخى مع الموقف المسيحى مما يجرى فى الأراضى المقدسة بفلسطين ( لدى المسلمين والمسيحيين معاً ) وهو ما يفيد فى تشكيل الرؤى والمواقف المشتركة تجاه الحاضر المعاش والمستقبل القادم .. هذا التعريف برؤى وجهود السودان تجاه حوار الأديان والتعايش الدينى ستدفع بالتأكيد تجاه تحقيق أهداف كبيرة لدى المجتمع الدولى فى ذات الوقت الذى تدفع فيه جهود السلام الداخلى بما يؤدى الى اقرار حالة تجمع على ضرورة ابراز قيم المحبة ونبذ العنف والاختلاف للالتقاء فى مربع المشتركات الداعية لاعلاء القيم الأخلاقية ومناهضة الافساد الاجتماعى والالحادى مع تدعيم موجهات الوحدة الوطنية بما يحفظ الحقوق والواجبات المشتركة فيما سيتيح هذا تطوير آليات الحوار الدينى والفكرى واحكام لغة التخاطب المشترك المحترم للتنوع الثقافى والدينى وهو ما يفيد فى اذابة حالات الاحتقان بسبب الاستعلاء الثقافى وعدم الاعتراف بالآخر وهذا جميعه يصب تجاه بناء مبادىء الحرية وحقوق الانسان باعتباره مبدأ أكدت عليه الأديان السماوية جميعها ..

الهدف الثانى/التعريف بالجهود السودانية تجاه قضايا السلام الكبرى :
ويتحلق هذا الهدف حول ما تحقق من جهود كبيرة رعتها الخرطوم للوصول لحلول عادلة للقضايا المختلف عليها بين أبناء الوطن الواحد وعلى رأس هذه القضايا ما تحقق فى سلام الجنوب الذى مضى الآن نحو غاياته متجاوزاً كل أسباب الاختلاف فى تنفيذ مرضى لاتفاقية نيفاشا التى لم يبق من بنودها النافذة سوى قضايا محدودة عالقة تمثلها أبيي وترسيم الحدود واعادة الانتشار بجانب الانتخابات وهى القضايا التى يتدافع تجاهها شريكى نيفاشا لوضع اللمسات الأخيرة للحلول المطروحة لها وقد تكون هذه الزيارة للفريق البشير وطاقمه الرئاسى فرصة مواتية تماماً لمحو الصورة التى ارتبطت بها قضية الجنوب فى مخيلة المجتمع الأوروبى والمسيحى باعتبارها حرب دينية عرقية وهى الصورة التى اجتهد البعض لترويجها منذ سنوات طويلة تمتد لما قبيل استقلال السودان كقطر موحد بحلول العام 1956م .. الآن يمكن للعالم الأوروبى والمسيحى أن يرى الحقيقة كما هى مجردة بين يديه ليندفع هو الآخر للمساعدة فى ترسيخ روح السلام والاستقرار ليس فى جنوب السودان فقط ولكن أيضاً فى دارفور التى تمضى الجهود تجاهها هى الأخرى لانهاء حالة الاحتراب بين أبناء الوطن الواحد وفى هذا يمكن للسودان أن يطلب عون ايطاليا والبابا لدفع جهود سلام دارفور وحث الأطراف الرافضة للانضمام لركب السلام الذى انضمت اليه أخيراً جبهة الشرق بما شكل بوتقة سلام موحدة تنتظر الآخرين لتتويج جهود الجميع فى رؤية سودان موحد يسع جميع أبنائه بخيره وسلامه .. هذا الهدف وعبر تحقيقه يرسم وجه جديد للسودان يمحو ما حاول البعض وصمه على جبينه باعتباره بلد متطرف يسعى لفرض هيمنة دينية وعرقية على أبناء المسيحية الأفارقة وهى صورة دفعت الكثير من المتنفذين فى الدائرة الأوروبية المسيحية لدعم الحركات السياسية العسكرية المناهضة للحكومة السودانية .. هذا الهدف سيرسل أهم رسالة للعالم الأوروبى والمسيحى تقول بأن السودان بلد مفتوح على الجميع بعقل مستنير وبأيدى صادقة تدعو للسلام والمحبة ..
الهدف الثالث/

هذا الهدف يتجه الى مسارين الأول نحو ايطاليا البلد الأوروبى الذى يحتل لا زال المرتبة الثامنة ضمن العالم الصناعى المتقدم وهى سانحة ليتعرف هذا البلد على ما وصل اليه السودان من تطور أفضى الآن الى رغبة كبيرة فى الانفتاح على العالم المتقدم بامكانياته التكنولوجية والتقنية الضخمة طارحاً لما بين يديه من فرص استثمارية مهولة فى كافة المجالات والنشاطات الاقتصادية وعلى رأسها القطاع النفطى بامكانياته الواعدة فى ظل تهافت دولى محتدم على مصادر النفط والطاقة المحركة .. هذا الهدف يمكن أن يؤتى أكله سريعاً اذا ما قدر للطرح أن يخرج جاذباً فى شكله ومضمونه للقطاع المالى والاقتصادى الايطالى .. والمسار الثانى لهذا الهدف يتجه نحو الرمى بأول محاولة سودانية جادة لاختراق الجدار الأوروبى باتحاده الفتى الماضى بتجربته الآن لبناء عملاق اقتصادى جديد يقدر له أن يفعل شىء ما أمام سطوة وعنفوان المارد الأمريكى القوى ..

.. هذا هو الطريق لسودان ما بعد السلام للاقتراب أكثر من الآخرين فى تحاور تلتقى عنده الحضارات وتمتزج لأ تتصارع وتحترب وهذا هو السبيل لسودان ما بعد النفط والتحول الاقتصادى الضخم الذى يحتاج لتنوع مصادر الخبرة والتبادل الفنى والتكنولوجى حماية لامكانيات البلاد وثرواتها فى تماسك يحفظ توجهات الأمة ويمنع عنها المساومة فى دينها وعقيدتها فى ذات الوقت الذى يتيح لها الانفتاح على الآخرين تبادلاً للمنافع وارساءً لروح المحبة والسلام العادل الحافظ لحقوق الجميع فى عقيدتهم وثقافتهم وحقهم فى الحياة الكريمة المتطلعة لخير الحاضر وأمل المستقبل ..



هناك 5 تعليقات:

غير معرف يقول...

البشير إلى كوبا ،، البشير إلى الصين ،، البشير إلى أثيوبيا ،، البشير إلى إيطاليا والفاتيكان ،،وأنتم تطبلون وراءه ياأخي لقمان ،، سبحان الله اذا كانت السياسه فى المفهوم العربى هى الكذب فان اليهود ابدعوا عندما استخدموا الحق ليريدون به الباطل مثل الورقه الجديده للاجئ دارفور وسلام على سياسة بوس الخيايشيم والرؤس وملئ البطون ولا عزاء على دارفور وجنوب السودان ومورتانيا والصومال التى عجزنا ان نجارى فيها حتى اثيوبيا الضعيفه

صبحى الموزى خرسيت-طنطا-مصر

غير معرف يقول...

لم يتجرأ أولئك الخنازير على وضع أقدامهم فوق رقابنا نحن العرب أسيادهم الذين كرمنا وأعزنا الله إلا لما عرفوا أننا نهابهم من دواخالنا والدليل على ذلك مثل هذا الركض ونحن نعلم سلفا أن ذلك يكلفنا الكثير والكثير ،، كفاية دجل

الأسد المسالم دبي

Khalid Hassan Logman يقول...

الأخوين الكريمين
: صبحى الموزى مصر و الأسد المسالم - دبى

تحية طيبة ورمضان كريم

وبعد
سعدت بتعليقكما من ناحيتن الأولى من ناحية الغيرة الشديدة والحماسة الكبيرة تجاه قضايانا الأم والثانية من ناحية متابعتكما لما يجرى فى بلادنا السودان ولكن اسمحا لى ومع شكرى الجزيل أن أوضحج لكما أمراً هاماً أوجزه فى الآتى :-
(-) ظل السودان مستهدف ولفترة طويلة من قبل قوى دولية تستهدف وحدته وعروبته وعقيدته وهذه القوى رفضت ومنذ الوهلة الأولى النزعة التى أبداها هذا البلد نحو استقلالية قراره وخياراته وبدت فى استغلال كل قدراتها وخاصة الاعلامية للكيد عليه فى ظل عجز اعلامى كبير لم يمكن من دحض الافتراءات التى تم صبغه بها والتى اعلنته للعالم كبلد متطرف يسعى لفرض عرق وعقيدة على مجموعات سكانية تمثل جزء من تركيبته السكانية وقد تم تضخيم هذه الصورة على نحو مفزع تشكل عليها حلف دولى قادته تلك المجموعات مما أدى لحروبات متتالية أذهقت فيها ارواح أبناء الوطن الواحد الذين عادوا الآن للتحاور والتفاوض لانهاء الخلافات حول بعض الحقوق المتعلقة بالثروة والسلطة وتمضى هذه الجهود الآن نحو غاياتها ليعود الوطن موحداً يسع الجميع ..
(-) زيارة الرئيس البشير لأوروبا الآن فى تقديرى الخاص جاءت متأخرة جداً حيث كان من الممكن أن تحقق زيارات سابقة اذا تحققت نتائج ايجابية تجاه تنوير الرأى العام الأوروبى والدولى بطبيعة ما يجرى فى السودان ولأ أقول لكما هنا أن الحكومة السودانية لم ترتكب أخطأ ليس هذه صحيحاً للحكومة أخطاءها سواءً فى قضية الجنوب أو قضية دارفور ولكن هذا لأ يعنى البتة أن يتم تقسيم السودان ونهب ثرواته بواسطة قوى دولية نهمة تجاه ثروات العالم الثالث ببتروله ومعادنه وثرواته الأخرى والسودان يا أخوى الكريمين بلد يملك كل شىء .. أكبر أنهار العلم .. مخزون نفطى مهوى .. ثروة معدنية لأ تعد ولأ تحصى .. السودان يملك مساحة تتجاوز المليون ميل مربع ودارفور وحدها تتجاوز مساحتها مساحة فرنسا بخمس أضعافها .. بلد كهذا لأ بد أن يستهدف .. ومن هنا جاءت أهمية السعى لتغيير الصورة التى حاول أولئك الطامعين لصقها ببلادنا .. ليس بالضرورة أن نوالى البشير أو حكومة السودان لندافع عن وحدة بلادنا وثروات بنها .. نحن نهتف بالحق وديننا الحنيف ينادى بالحوار والتعايش الدينى دون أن يؤدى بنا هذا للتنازل عن شىء من عقيدتنا بل يجب أن نمد أيدينا للآخرين بالسلام الذى جاء به الدين الاسلامى الحنيف الذى لأ نقبل المساومة أبداً فى مبادئه وقيمه..
أخوى الكريمن أكرر شكرى لكما ,اتمنى أن يستمر الحوار معكما فلربما أخطأت فى شىء أرجع اليه بفضلكما .. والله ولى التوفيق أخوكم
خالد لقمان

غير معرف يقول...

أخي لقمان
السلام عليكم ورمضان كريم...
أولا أشكرك كثيرا على ردك الفوري على تعليقي حول مقالكم الخاص بزيارة الرئيس البشير لإيطاليا والفاتيكان وقبولكم كل مانكتبه من تعليقات برحابة صدر وحقيقة أنه قد ساورني بعض الشك في أنك (صحفي مشهور بالسودان) ومن باب الفضول عملت جوله سريعة في النت وبحثت في الصحف السودانية التي تملك مواقع بالنت وبالفعل وجدت أخي الأستاذ خالد لقمان هناك عند الرأي العام !! ووجدت أيضا نفس الموضوع الوارد بمدونتكم موجود بموقع الصحيفة ،، وعلى كل ياأخي فإنني لست جاسوسا وإنما أهتم بالكتابات السياسية كثيرا علنا نساهم ولو (بكلمة) في تصحيح مسارات حكامنا ومن ثم المساهمة في إصلاح أمتنا العربية كما في قول : إذا صلح الحاكم صلحت الأمة ...

صبحي الموزي - طنطا - مصر

Khalid Hassan Logman يقول...

الأخ صبحى الموزى - طنطا - مصر
تحية طيبة
لك الشكر والتقدير .. اهتمامك يالكتابات السياسية يسعدنى لأنه يعكس اهتمامك بأحوال وطنك ووطنك العربى الكبير بجانب الأوضاع الدولية بشكل عام ..
أكرر شكرى وتقديرى وأتمنى التواصل