د. خالد حسن لقمان
.. يا صلاح الدين.. هل جاء زمان ..
أصبح التحرير والتخدير فيه توأمين.؟
ثم هل جاء زمان
أصبح الفعل به ضد اليدين؟
ثم هل جاء زمان
صار فيه الحرف ضد الشفتين؟
يا صلاح الدين..
هذا زمن الردة..
والمد الشعوبي القوي ..
أحرقوا بيت أبي بكر..
وألقوا القبض في الليل على آل النبي ..
فشريفات قريش
صرن يغسلن صحون الأجنبي..
يا صلاح الدين..
ماذا تنفع الكلمة في هذا الزمان الباطني..؟
.. هذا بعض من صدر ومتن ثورية “نزار قباني” (مرسوم بإقالة خالد بن الوليد).. وقد
كتبت تحت هذا العنوان ( منظمة الدعوة الإسلامية .. مرسوم بإقالة خالد بن الوليد ) ثلاث مقالات ولكن في كل مرة كان موضوع المقال مختلف عن الآخر إلا أن نزار وخالد ظلا قاسماً مشتركاً بينها وقد كانت
المرة الأولى عندما عاد أهل نيفاشا بنصرهم المزيف يريدون به وعبره أن يرسموا مشهداً جديداً للسودان الجديد المنفتح على العالم والمتفهم لأطروحات الأسرة الدولية و موجهات فكرها وأهدافها فدخلوا قاعة من قاعاتهم وهمهموا بحديث غادر فشاء الله أن تخرج همهماتهم صارخة للعلن كما شاء الله أن يبطل غدرهم بالتخلي عن جهد صادق قام به نفر صادق أرادوا به الله وحده لا شريك له فكانت منظمة الدعوة الإسلامية التي ملأت الآفاق والأصقاع البعيدة في أفريقيا بأعمالها الصالحات فكانت المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء ومحطات المياه ودور الدعوة والعبادة كما كانت الإغاثة ومد يد العون للاجئين والنازحين والمشردين ومن هم في قاع مدن الناس ودنياهم، حتى شهد لها أعداؤها من خارج ملة الإسلام قبل أنصارها من أهل الديانة، ومن هؤلاء كان قادة الحركات المسلحة الجنوبية الذين عندما هم هؤلاء بغدرهم هذا لإقصائها والتخلي عنها ليمنحوا جائزة نوبل في السلام، كما طمحوا بأهوائهم صرخ هؤلاء الجنوبيون بأن منظمة الدعوة الاسلامية كانت هي الوحيدة في الميدان عندما كانت دماؤهم نازفة وأهليهم مشردين في الغابات والمستنقعات.. كانت هذه المرة الأولى لمقالي الأول .. أما المرة الثانية فكانت خلال التحضيرات الاجتماعات دورة الأمناء رقم (26)، فقبل أن تعلن أهداف الدورة ومشروعاتها تعود الهمهمات وهذه المرة تهمهم بخبث لتغيير اسمها.. وما هو اسمها.. (منظمة) (الدعوة) (الإسلامية).. ولا عجب، فقد رأيت يومذاك حضور قاعة الصداقة فلم أجد في عينيه ذكاء “عبد السلام” وفورته، ولا صبر “مبارك” وحكمته.. ولا معنى “الأمين” ولغته..!! .. أما في المرة الثالثة التي أعدت فيها الكتابة تحت ذات العنوان وبحضور خالد ونزار لم يتدثر أحد بثوب و لم يتلحف بلحاف، بل جاء عارياً كما و”فرعون” يطلب من “هامان” بناء صرحاً يطّلع منه على رب “موسى” هادماً بذلك ركن العقيدة كلها فلا رب يعبد غيره ولا حياة تمضي دونه .. وقد وجهت حديثي حينها لهؤلاء صارخاً فيهم :
( يا هؤلاء يا من أعلنتم بالأمس إلغاء منظمة الدعوة الاسلامية ورميها في البحر، اعلموا أنكم تحرثون في البحر ، وتغصون في بئر عفن، فهذه المنظمة ليست منظمة الإسلاميين بل هؤلاء عبروا بها بمثل ما عبروا من القصر الجمهوري الذي دخلتموه انتم الآن ومجلس الوزراء الذي ملأتموه أيضاً الآن برجالكم ونسائكم .. ويمكنكم أن تهدموا هذا القصر وتسقطوا هذا المجلس أو فلتفعلوا ما شئتم على شارع النيل وشارع الجامعة ولكنكم لن تستطيعوا مطلقاً أن تلغوا مسيرة منظمة الدعوة الإسلامية، ولا أن تمحوا تاريخها كما لن تنالوا من مستقبلها القادم عندما يشاء الله تعالى ويأذن برجال من رحم غيبه يستبدلهم بخونة خانوا عهدها، وبجهلة جهلوا مقصدها، وغفلوا عن تاريخها، وأضاعوه بقرارات مرتجفة ومتسرعة ظلمت ذلك التاريخ المجيد لا لشيء سوى لتحقيق انتقام أعمى من بعض من من أساءوا هم أنفسهم لهذه المنظمة وأرادوا زوالها لينفتحوا على عالم جديد يتقبلهم دون الله فخسف بهم الرحمن وتركهم إلى الساعة في حيرتهم يتخبطون وفي معتقلاتهم وسجونهم يتلاومون .. ) .. هذا ما قلته حينها لهؤلاء المنتقمين الجهلة الذين اجتهدوا في محو هذه المؤسسة التطوعية المجيدة بدورها و بالفعل استطاعوا الغاء اتفاقية مقرها في الخرطوم العاصمة التي ولدت و نشأت و ترعرعت فيها هكذا بقدر الله و ارادته و لعلي لا انسي هنا تلك القصة التي خصني بها أحد رجال الأعمال الناجحين الصادقين .. رجل رائع و محبوب من الجميع وقد حرص ابطالها كما قال لي علي ابقائها بعيدة عن الكشف والأضواء ليبقي الأجر أجراً خالصاً منهم لله لا مناً فيه ولا أذي ولكني أفشيت حينها سرهم للناس في مقال صحفي وقد فعلت ذلك بحب و رغبة في تقديم نموذج للاعمال الصالحات للاقتداء بها من قبل من ييسر الله له المال ويفتح له الارزاق .. قال لي رجل الاعمال الراحل هذا - رحمه الله رحمة واسعة و اسكنه فسيح الجنات مع الصديقين و الشهداء ( وقد كان هذا اللقاء في أواخر التسعينات بمكتبه ببرج التضامن - شارع البلدية حيث كنت أعمل حينها في ذات البرج في شرخ شبابنا الأول ) .. يحكي الرجل القصة المدهشة لمنظمة الدعوة الإسلامية ويقول : (( .. شاء القدر ان أكون نسيباً لاحدي الأسر السودانية العريقة الكريمة التي تسكن في ضاحية الرياض بالخرطوم و قدر الله ان تفقد هذه الأسرة ربها الرجل الكريم ابن الكرام فقررت الأسرة ان تتبرع بقطعة أرض تملكها قريبة من مسكنهم العامر ليقام عليها عمل خيري .. وقد خرج هذا القرار في اجتماع اسري مبارك حضره أفراد سجلهم الله عنده ان شاء الله بأحرف من نور مع الابرار والصالحين .. وقد رأت الأسرة انتدابي لتبصر الأمر و التفكير فيه - و الحديث لا زال لرجل الاعمال - و بالفعل خرجت مهموماً بهذا العبء و هذه المسئولية الكبيرة التي وضعتها هذه الأسرة المباركة علي كاهلي وقد تم الاتفاق بين الجميع علي ابقاء الأمر سراً بحيث لا يخرج مطلقاً من الحاضرين والمقررين له .. و لكن ولدهشتي الشديدة فقد حدث أمر بعد ثلاثة أيام فقط لا زلت اتعجب الي هذا اليوم منه .. كنت اجلس في العصر في بيتي في ذات المنطقة وقد سمعت أحدهم يطرق الباب و لم تمض لحظات حتي أخبروني بأن رجلاً ما يريد مقابلة صاحب المنزل فذهبت اليه علي الفور علي باب الدار فوجدت رجلاً سوداني اللون والروح مربوع القامة يقف لوحده وقفة السودانيين المتواضعة بهندامها و بساطتها و ثقتها في نفسها وقبل أن أمد يدي له بالسلام سارع بوضع كفه علي يدي فنظرت اليه في وجهه سريعاً فوجدته باسم الثغر جميل المحيا علي نحو يدفعك فوراً للطمأنينة و السلام مما دفعني لمبادلته الابتسامة الطيبة الودود .. وبطريقة تلقائية دعوته للدخول الا أنه إعتذر بلطف كأنما أراد أن يتم مهمته فقط علي عتبة الباب .. وقد فعل مما يدفعني الآن لأتعجب بشدة وحتي هذه اللحظة لما حدث .. فقط خلال اقل من خمس دقائق قال لي فيها وبالحرف الواحد هذه الكلمات : ( .. أعرفك بشخصي الضعيف أنا أخوك مبارك قسم الله لدينا مع بعض الإخوة الكرام مقترح لاقامة مشروع منظمة دعوية تهتم بخدمة الاسلام و المسلمين خاصة في تقديم الدعوة في أطراف البلاد البعيدة و في المستقبل في افريقيا بإنشاء المساجد و معاهد التعليم الديني و تأهيل قادة العمل الدعوي ومساعدة الناس في حياتهم .. وقد رأيت أن أطوف علي بعض الجيران هنا لابلغهم بهذا المشروع اشراكاً لهم في هذا الخير بالرأي والمشورة .. ) انتهت كلمات هذا الرجل ولم يزد عليها حرفاً واحداً كما انتهت مقابلتي معه و انا انظر اليه بحيرة ما بعدها حيرة واعداً له بتقديم الرأي والمشورة ان قدرني الله علي ذلك و أذكر حينها ان التصرف الوحيد الذي تماسكت فيه لافعله خلال هذا اللقاء السريع المربك هو انني وجدت نفسي أسرع وراء هذا الرجل الذي ابتعد ساعتها بخطوات من باب بيتي لاقول له اين تسكن وكيف اتصل بك .. فتبسم الرجل و أخرج دفتراً صغيراً من جيبه الأسفل ببدلته الافريقية و انتزع قلماً كان قد شبكه ببساطة وأناقة علي الجيب الآخر الاعلي للبدلة البيضاء وكتب علي الورقة رقم هاتفه و اسمه .. مبارك قسم الله .. أقول لك شئ يا خالد والله كنت احتفظ ولوقت قريب بهذه الورقة ضمن قصاصات احتفظ بها في دفتر اوراقي الهامة و اظنها لا زالت موجودة .. بعد ذلك و كما قلت لك دخلت في حيرة ادخلتني في شك ان احد افراد الاسرة قد أخرج ما اتفقنا فيه في ذلك الاجتماع الأسري لهذا الرجل وقلت لعل من فعل ذلك اجتهد برأيه بعد ان علم بهذا المشروع الذي يتحدث عنه هذا الرجل الذي زارني و بالفعل استسلمت لهذا الافتراض و رأيت أن أدعو الأسرة لاجتماع لاعلمهم بما تم واستفسرهم ان كان احدهم قد علم خلال الايام الثلاثة الماضية بأمر هذا المشروع و رأي أن يكون واحد من الاقتراحات التي أتقدم بها اليكم عند اكمال مهمتي التي اوكلتموني بها و بالفعل تم الإجتماع و لم أستطع الانتظار وقلت لهم : لقد بدأت بالتفكير والبحث و لكن اولاً اريد ان أسألكم ان كان أحدكم قد علم بمشروع دعوي يقوم بعض من رجال المنطقة هنا لانشاء منظمة دعوية اسلامية .. ؟؟!! .. صمت الجميع وقد كنت حريصاً علي النظر في وجوههم جميعاً بتفحص وانتباه شديدين .. ولدهشتي الشديدة تيقنت تماماً أنه لم يكن هنالك ولا احتمال صفر في المائة ان يكون من افراد هذه الاسرة من علم بهذا المشروع علي الإطلاق .. في هذه اللحظة جاء صوت احدي السيدات الكريمات من الأسرة و قالت : هذا مشروع ممتاز و يتناسب بالضبط مع الغرض الذي قررناه ولكن ما طبيعة هذا المشروع و من يقوم به هنا في الرياض .. ؟؟!! .. هنا حكيت للحضور قصة اللقاء الغريب ( علي عتبة الباب ) الذي دار بيني وبين ذاك الرجل بالأمس فقط و بعد ثلاثة أيام فقط من بداية بحثي عن تراتيب الامر المرتبط بقرار الاسرة في اقامة مشروع كهذا علي قطعتهم هنا في الرياض .. بالطبع اندهش الحضور لدرجة خشيت معها في هذه اللحظة تبادل أدوار الشك فبعد ان كنت أحمل شكوكي تجاه الحضور فإذا بالموقف يقذف علي الكرة .. أو ربما تخيل لي ذلك حينها بأنهم قد يعتقدوا بأني قد اخترت هذا المدخل لأشير لمشروع الرجل صاحب البدلة الافريقية البيضاء ولكني كنت علي ثقة بأن من أجالسهم من النقاء والطهر بحيث لا تجد لهم مثل هذه الشكوك مدخلاً مطلقاً لقلوبهم .. المهم كلفت بالاتصال بالرجل و محاولة معرفة طبيعة المشروع ومن يقف ورائه و اذا ما كان يحمل تصديقاً من أجهزة الدولة الرسمية و تنسيقاتها المحلية في المنطقة وقد تم التشديد علي بالبحث عن من وراء المشروع بحثاً تفصيلياً دقيقاً .. وكان هذا هو الأمر الذي حملني عبئاً كبيراً .. و لكن و لغرابة الأمر فقد انتهي البحث بإيجابية كبيرة كان لزائري الدور الأعظم في الوصول لنتائجها من خلال جهد مارثوني اطلعت خلاله علي كل المطلوب بتفصيل دقيق و قد ساعد في ذلك ان كانت هنالك موافقة قد تمت بالفعل من رأس الدولة آنذاك الرئيس الراحل جعفر نميري طيب الله ثراه علي قيام هذا المشروع وان كانت الموافقة حينها مبدئية الا أن حصول المنظمة علي أرض من قبل متبرعين بها هو الذي حول الموافقة من مربعها المبدئي الي مربعها النهائي بعد أن توفر أكثر معطي أساسي فيها وهي أرض المقر .. بعدها مضت الخطوات متسارعة علي نحو ملفت وبسلاسة مدهشة حتي تحول لقاء الخمس دقائق علي عتبات بيتي مع الداعية و الرجل المؤمن الصادق الراحل مبارك قسم الله الي أقدار صرفها الله في بقاع السودان و افريقيا وكل العالم خيراً وبركة و الآن و الله يا خالد عندما أدخل الي هذه المنظمة فقط لاتجول فيها أشعر بسعادة ما بعدها سعادة و بعد ان ارفع يدي بالدعاء لمن تبرع بأرضها من افراد تلك الأسرة الكريمة والدهم الكريم أرفع يدي لأدعو للشيخ مبارك قسم الله و اني علي يقين الآن بأن هذا الرجل اوجده الله علي ارض السودان اسماً علي مسمي وان تلك اللحظة التي قصدني بها كانت من تجليات أقدار الله وهنا يقشعر كل بدتي عندما استحضر ان شخصي الضعيف كان جزءًاً من هذه اللحظة الربانية القدرية العظيمة .. )) .. انتهت قصة منظمة الدعوة الإسلامية التي ختمها لي الراحل المقيم رجل الأعمال بطل هذه القصة و هو يخفي وجهه الا أنني ادركت حينها أن دمعات ساخنات قد تساقطت علي وجنتي هذا الوجه الجميل و هربتا من مقلتي صاحبها الذي سارع للحاق بها دون جدوي منه .. رحمك الله أيها الرجل النبيل النقي وأجزل العطاء لك ولتلك الاسرة الكريمة و للشيخ المبارك مبارك قسم الله وكل العقد الفريد المؤمن الذي أوجد هذه المنظمة المتفردة التي دفع الآن جهل بعضهم ( ناسياً و غافلاً عن أن هدم المباني لا يزيل المعاني ) فأحال مقرها لحطام وركام و أبدل زرعها وشجرها و زهرها ووردها الي قحط و يباب ظناً منه جهلاً و في ثائرة انتقامه العمياء بأنه ينتقم من الذين جعلهم أمامه عدواً تاريخياً لا تتبدل في ذهنه أبدًا ساحة حربه معهم ولا تتغير مطلقاً شخوص جنودها في مشهد سرمدي أقعد بأرض النيل الطاهر وأبنائها عقوداً مريرة من التخلف و الجهل و المرض ..
.. ولكن هاهي أقدار الخير عادت لتمزق مرسوم الإقالة القسري الظالم رغماً عن عين نزار الواجفة وقلبه المشفق لتصدر مرسوماً جديداً بإعادة تعيين خالد بن الوليدقائداً لزمان فتح جديد يفتح به هذه المرة العقول و القلوب لبناء وطن متعافي في مجتمعه و آمناً مستقراً في حياته ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق