الجمعة، 30 نوفمبر 2007


خالد حسن لقمان
ellogman@yahoo.com : E-mail
# تلفزيون السودان .. حالة قلق وخارطة طريق .. !!
.. ما من مؤسسة أو جهاز حكومى بالبلاد يعايش حالة من القلق والتوتر عند احداث تغييرات ادارية فيه بمثل ما يعيش ذلك التلفزيون السودانى خاصة عندما يعلن عن اعفاء مديره العام وتعيين آخر مكانه .. الجميع فى حالة من القلق والتوتر على نحو يكاد أن يكون هيستيرياً بما يدعو للدهشة والاستغراب .. الآن يغادر عوض جادين ليحل محله محمد حاتم وقبل نحو ثلاث سنوات ذهب محمد حاتم وحل محله عوض جادين .. الغرابة ليست هنا فهنالك الكثير من المواقع الحكومية من وزارات ومؤسسات دولة يتبادلها مجموعة من القياديين الذين عرفوا بخبراتهم الطويلة فى مجالهم مما قلل الرغبة فى تبديلهم والاستغناء عنهم اما اعتباراً لتلك الخبرات التى جعلتهم ملامسين وبشكل دائم لطبيعة النشاط الذى تنشط فيه تلك المؤسسات والوزارات واما لقدراتهم على التناغم مع بقية أذرع وأطراف الجهاز الحكومى للدولة بما يشكل هاجساً دائماً من عجز آخرين جدد يمكن أن يدفع بهم على معايشة هذا التناغم وكل هذه أسباب أدت ليكون هذا هو الحال سواءً فى السودان أو غيره من دول العالم الثالث ومنها الأفريقية والعربية بحيث يصبح التشكيل الحاكم هكذا فى محدودية الناشطين فيه على مستواه القيادى ومن هنا جاء تقبل الناس لوزراء ظلوا فى مواقعهم سنوات طويلة وآخرون تم استبدال مواقعهم بأخرى حتى أصبح الأمر مألوفاً لحد كبير خاصة فى ظل الأوضاع السياسية السودانية على حذرها ووضعيتها الخاصة والتى ظلت تعيشها البلاد لأكثر من ثمانية عشر عاماً .. هذا هو الحال على وجهته العامة ولكن فى التلفزيون يبدو الأمر مختلفاً ومثيراً للعواصف والتوتر والقلق كلما هبت رياح التغيير بين فترة وأخرى ..
.. وهنالك بالطبع أسباباً حقيقية لهذه الحالة القلقة وبالتأكيد ليس من بينها وبالدرجة الأولى شخصية المدير العام فاذا ما قدر أن يسأل عوض جادين فى أوقات سابقة عن أفضل من يدفع به لتولى جهاز التلفزيون لهتف ومن غير تردد باسم محمد حاتم كما أن محمد حاتم نفسه سيهتف باسم عوض جادين اذا ما سئل هذا السؤال فى أوقات وظروف غير التى عايشها الرجلين وشكلت علاقتهما فى أعقاب توليهما لهذه المهمة التى تبدو بخصوصيتها ووضعيتها الخاصة والغريبة أشبه بحالة اغماءة يعيشها من كتبت له معايشتها .. اغماءة تغيب عنها روح التعاون والاخاء بمثل ما يغيب عنها الهدوء والتدبر والتفكير السليم بحيث يصبح المدير العام فى حالة ضغط نفسى منذ دخوله من بوابة التلفزيون الى لحظة مغادرته لها .. والغريب أن الجهات العليا المراقبة لهذه الوضعية تبدو وخلال هذا الاحتراق للمدير العام فى أكثر حالاتها هدوءً وربما ارتياحاً بما يجرى أمامها من خلافات وصراعات بين من أوكلت لهم مهمة تسيير التلفزيون .. !! لأ أحد يتدخل لفض الاشتباك ولأ أحد يمارس سلطته أو حتى ( حق الأخوة ) لانهاء الخلاف بين أخوة المهمة الواحدة حتى أصبح اختلاف ( أخوان ) التلفزيون حالة مألوفة تنتهى باقصاء أحدهم أو بعضهم لصالح الآخرين أو العكس كلاً حسب قوته وحسن تدبيره ضد أخيه أو اخوانه .. !! وهذ أكثر ما كان يبعث بالحزن والألم فى نفوس المراقبين لوضع التلفزيون .. هذه الوضعية لها أسباب ترتبط ارتباطاً مباشراً بحالة مزمنة ظل يعيشها هذا الجهاز العجيب لسنوات طويلة أهمها وعلى الاطلاق ما يلى :
(-) عدم وجود نظام راسخ يحكم الأداء العام فى فلسفته العامة التى تبنى عليها الهياكل وتوضع عبرها الخطط وينساب بهديها دولاب العمل سواءً الادارى أو البرامجى وقد ظل الأمر وطوال تاريخ هذا الجهاز ومنذ انشائه فى ستينات القرن الماضى تبعاً لاجتهادات البعض من من انتخبهم القدر ليمارسوا مسؤوليات داخل التلفزيون ليظل التقسيم الادارى فطيراً وبدائياً كما ظل التخطيط البرامجى منعدماً تماماً ..
(-) الضعف المالى كحالة مزمنة عايشها هذا الجهاز لسنوات طويلة مما أفقده القدرة على خلق الاستقرار البرامجى المتميز عبر كوادر مستقرة وقادرة ومتفرغة بالكامل لخدمة الرسالة الاعلامية الموكلة لها كمهمة عمل مدفوعة الأجر فكان أن أحجب أصحاب القدرات والعقول والامكانات الحقيقية فى الارتباط بهذا الجهاز المفلس فى أكثر مراحله وفتراته خلال السنوات الماضية ..
(-) الارتباط الهيكلى المضطرب للجهاز بالأجهزة العليا فى تبعيته وارتباطه الوظيفى ومسئولياته فتارة يصبح هيئة مستقلة بذاتها وتارة أخرى يصبح قطاعاً ضمن قطاعات أخرى تتبع لهيئة أخرى يحار فى حدود ومحددات تبعيتها وعلاقاتها الهيكلية هى الأخرى مع أجهزة الدولة المرتبطة بها فى نشاطها ومسؤولياتها ..
.. هذه الأسباب مجتمعة أدت الى هذه الحالة المزمنة من القلق والتوتر بما يصعب معه توجيه أصابع الاتهام بالفشل الى شخص بعينه تولى أمر هذا الجهاز بل أنه من الاجحاف والظلم فعل ذلك فاذا كان عوض جادين قد أخفق الآن فى شىء ( وهو ما لم يحدث اعتباراً لتفانى الرجل واخلاصه ونجاحاته التى لأ تخطئها العين فى تطوير البرامج ) فهى بالتأكيد مسئولية هذه الحالة المزمنة التى يسأل عنها جميع من لديهم صلة بالعمل الاعلامى هذا ان لم تسأل عن ذلك قيادات البلاد العليا فى اهمالها لهذا الجهاز لسنوات طويلة عانى فيها أهله ما عانوا فى صمت وصبر ومعاناة أورثتهم القلق والتوتر الدائمين ..
ولعله من الحكمة الآن لأهل هذا الجهاز والمرتبطين به من مبدعين ومتعاونين ونقاد فنيين فى ساحة الصحافة ترك ما يدخل فى دائرة القيل والقال والتآمر والتشاحن و الاتجاه الى رسم مسار جديد لهذا الجهاز يعتمد فيه العلمية والمنهجية بما يؤدى وفى نهاية المطاف الى بناء تلفزيون وطنى حقيقى فى رسالته يسع الجميع بثقافاتهم ومشاربهم وآمالهم وطموحاتهم دون استعلاء على أحد أو تهميش لأحد فى مواكبة حقيقية وناجحة للمرحلة السياسية المقبلة بتطوراتها السياسية ونهضتها الاقتصادية المبشرة بواقع جديد يعايشه هذا الوطن العزيز بأهله والغنى بموارده وامكاناته التى يجب الآن الحفاظ عليها من أطماع الطامعين فيها والمتربصين بها .. يجب أن يدفع التلفزيون خلال المرحلة المقبلة هذا الروح الوطنى المتجرد بعيداً عن التجاذبات السياسية بانتماءآتها الضيقة ليفتح آفاقاً أرحب يلتقى عندها الجميع حاملين معاً لواء النهضة والسلام والتنمية والاستقرار.. ويجب الآن على الحادبين على مصلحة البلاد العليا وفى مقدمتهم المبدعين وأصحاب الأقلام النقدية مساندة أهل التلفزيون وفى مقدمتهم المدير الجديد الأستاذ / محمد حاتم سليمان للعبور بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا السياسى والاجتماعى عبر النقد الموضوعى والنصح المباشر المتجرد خاصة وقد عرف الرجل بسماحته ومرونته ونزعته الى الحوار والتشاور وتبادل الأراء والأفكار على نحو يسهل التعامل والاسهام معه وهنالك من الأسباب والمؤشرات ما يشير الآن الى قدرة الرجل على العبور بهذه المرحلة بنجاح كبير فبجانب كونه رجل المرحلة بعينه الواعية لمتطلباتها بحرجها ودقتها وحاجتها لمخاطبة الوجدان الوطنى الجمعى للعبور بوطن موحد وقوى تأتى نزعته العلمية التى أظهرتها تجربته السابقة فى اعتماد الروح المنهجى فى التخطيط على أرقى مستوى وصلت اليه الفضائيات فى جانب الأساليب الحديثة فى التخطيط البرامجى الذى يعطى للبرامج فضاءها الرحب فى الابتكار والضبط للأهداف والمرامى فى آن واحد بحيث تعتصر العقول لتوليد الأفكار وتنفيذها وتطويرها بضبط زمانى وموضوعى صارم يمنع خروج الأفكار الفجة بمثل ما يمنع تكرارها بشخوصها ومواضيعها هذا بجانب النجاح الملموس الذى خلفته تجربة محمد حاتم فى أوقات صعبة خرجت فيها مشاريع طموحة خاصة فى جانب التطوير الهندسى والبنيوى للتلفزيون بما انعكس فيما بعد على جماليات الشاشة وهوية المحطة وتلك القفزات الرائعة فى قطاع الأخباروالبرامج السياسية الذى عرف ولأول مرة التعامل مع الأشكال الحديثة فى تقديم الخبر والتقرير والمادة السياسية وكان أن زاحم شعار تلفزيون السودان ولأول مرة شعارات الفضائيات الأخرى ناقلاً للمؤتمرات الدولية والاقليمية والأخبار اليومية الساخنة عبر مراسلين بعدد غير قليل من الدول العربية والأفريقية هذا فى الوقت الذى شهدت فيه البرامج الثقافية والتربوية تطوراً نوعيّاً بما أحدث نقلة مفاهيمية جديدة للتلفزيون اجتازت به مرحلة التعبئة بشحناتها المباشرة والصارمة الى قوالب فنية راقية فيها من الامتاع والتجويد بقدر ما فيها من محافظة على هوية البلاد وتوجهها الفطرى السليم ويحمد لمحمد حاتم هنا قدرته المتميزة فى الرمى بطموحاته الى أقصى مدى يمكن معه الوصول لما يظنه بعضهم حلماً بعيداً لا ينال ولكن الرجل دوماً ما كان يفاجىء مراقبيه بتحقيق أحلامه على صعوبتها واستحالتها فى نظر البعض وان كلفه هذا القفز على بعض الحواجز وتجاوزعدد من الاشارات الحمراء ..
.. ويبقى السؤال الأهم فى هذا كله .. هل سيمنح محمد حاتم هذه المرة الامكانيات المادية والمساحة الادارية والفترة الزمنية الكافية لترسيخ أفكاره وانضاجها لتخرج فى صورتها النهائية بما يؤسس ولأول مرة لنظام حقيقى للتلفزيون يضعه فى مصاف الفضائيات الدولية فى جانب التخطيط والتنفيذ للأفكار والبرامج ..؟؟ هذا هو السؤال الذى تنسحب معه تلك الحالة من القلق والتوتر أو تبقى الى وقت لأ يعلم أحد متى يأتى أو كيف ينتهى ..


ليست هناك تعليقات: