الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

# واشنطن والخرطوم وجوبا .. النفط أولاً .. !!


# واشنطن والخرطوم وجوبا .. النفط أولاً .. !!
      
      .. بدا الاختراق الذى حققته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون آخر الأسبوع الماضى فى مسار المفاوضات الجارية  بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا وبالكيفية والفورية التى تحقق بها .. أشبه ما يكون بالأمر المؤكد والمعزز لرأى عدد غير قليل من المراقبين للشأن السودانى والمنطقة الأفريقية الذين لا زالوا على قناعة تامة بالدور الرئيسى للولايات المتحدة الأمريكية فى هذا الاقليم الذى يصفونه باقليم الكوارث والحروبات بمثل ما بات يصفه آخرون باقليم الموارد والمياه .. بمكالمة هاتفية واحدة مع وزير الخارجية السودانى على كرتى وزيارة خاطفة لجوبا شملت لقاءً واحداً مع الرئيس سيلفاكير ميارديت حسمت كلنتون الأمر ليخرج ثابو أمبيكى الوسيط الأفريقى معلناً اتفاق الطرفان على ملف النفط  بالاتفاق على قيمة ال 25.8   دولار تدفع لحكومة دولة السودان كرسوم لعبور برميل النفط الواحد من مناطق الانتاج فى حقول دولة الجنوب مروراً بطول القطر السودانى الشمالى الى ميناء تصديره بمدينة بورتسودان على البحر الأحمر شرقاً وهو الاتفاق الذى يجىء بتعقيداته الكبيرة ضمن عدة قضايا خلافية أخفقت اتفاقية نيفاشا ( التى أدت نتائجها ومآلاتها لانفصال جنوب السودان ) فى التوصل فيها الى حلول قاطعة وقد ظلت متفاقمة بين الطرفين  حتى ما قبل الاعلان الرسمى لانفصال الجنوب  للحد الذى أدى لصدامات عسكرية متكررة فى منطقة أبيى ومناطق أخرى وتطور الأمر فيما بعد الى حرب حقيقية عقب احتلال دولة الجنوب لحقول النفط فى هجليج وقد مثلت الحدود والملف الأمنى وقضية أبيى والمناطق المنزوعة السلاح وحرية التجارة  بجانب ما ظل يثيره الجانب الجنوبى فى شأن الجنسية ..  تلك القضايا التى اخترقت هيلارى كلنتون أخيراً أحد ملفاتها ونجحت فى حسمه ولو الى حين ..
  
     .. الاتفاق فى حد ذاته جاء مفاجئاً على مسار التفاوض وذلك من وجهة تتعلق بالمناخ الذى دخل منه مفاوضى الطرفين الى جولات الحوار فى اعقاب الحرب المكشوفة بينهما حول هجليج وهو المناخ الذى تشبع بالعداء وعدم الثقة للحد الذى دعا الحكومة السودانية لاتخاذ موقف رافض للدخول فى ملف التفاوض حول النفط ما لم يتم التوصل لحسم القضايا العالقة بين الطرفين وخاصة الملف الأمنى وهو الموقف الذى ظل صامداً الى ما قبيل المكالمة الهاتفية بين كلنتون والوزير السودانى على كرتى والتى تلتها زيارة كلنتون الخاطفة لجوبا ولقاء الرئيس سيلفاكيير .. فقد أفلحت كلنتون فى عبور مفاوضى حكومة الشمال لموقفهم هذا بمثل ما أفلحت وعلى نحو مدهش ومفاجىء فى اقناع الجانب الجنوبى بالتوقيع على الاتفاق الأخير بعد أن كان موقف المفاوض الجنوبى يتحدث فقط على واحد دولار كرسم لعبور البرميل بينما كان الشمال يتحدث عن 36  دولارا  وهو ما مثل تراجعاً كبيراً قى القيمة التى كان يتحدث عنها الجنوبيون وانخفاض نسبى قليل فيما كان يتحدث عنه الشمال الشىء الذى يعنى الآن وبكل تأكيد انتصاراً يحسب لصالح موقف المفاوض الشمالى  .. .. خروج الاتفاق على النحو الذى خرج عليه مع وجه باقان أموم المتجهم والحزين الذى خرج به لوسائل الاعلام عقب اعلان الاتفاق يعنى ان واشنطن لازالت تمسك بخطوط اللعبة فى علاقة دولة الجنوب بشمال السودان وبالرغم من التقارب الزمنى  لزيارة كلنتون  مع زيارة المبعوث الصينى للمنطقة والتى حث فيها الطرفان على التوصل لحلول عاجلة فى ملفات خلافاتهما .. الا أن الحسم جاء فى ملف النفط أمريكياً خالصاً وبارادة  قوية وصارمة  .. النفط أولاً وبأى صيغة اتفاق يتم التوصل اليها فوراً .. !! .. هذه هى التعليمات الأمريكية .. ولكن لماذا .. ؟؟ .. الى ماذا يرمى الأمريكان من دفع المفاوضات واجبار الجانب الجنوبى على التوقيع على رسم العبور بقيمة ال 25.8  دولار للبرميل الواحد .. وبمحاولة الوصول لمبررات للأسباب الأمريكية التى قادت كانتون لممارسة هذا الضفط الهائل على مفاوض الجنوب والرئيس سيلفاكيير نجد أن النموء الاقتصادى الصينى المتسارع عبر اقتصاد مزدهر ومتقدم بسرعة الصاروخ بات يمثل للولايات المتحدة صداعاً دئماً لأ يكاد يفارق رأسها أبداً خاصة مع الزيادة المضطردة لبكين يوماً بعد يوم فى جغرافياً  القارة الأفريقية  الشىء بات معه النفوذ الأمريكى وخاصة السياسى ينحسر بذات السرعة أو النسبة الاضطرادية لصالح الوجود الصينى الذى بدأ أخيراً مهتماً بالقضايا السياسية للمنطقة بعد تجاهل أو تعامى عنها استمر لعقود طويلة آثرت فيها بكين واجتهدت فى رسم صورة ذهنية لها تضعها فى مقام الشريك والمساعد والمحافظ على استقلال الاقليم الأفريقى بارادته وكامل استقلاقه السياسى اعترافا بموروثاته وثقافاته وحقوقه كاملة غير منقوصة على عكس ما رسخ الوجود الأوروبى القديم والأمريكى الحديث بالمنطقة .. هذا القلق الأمريكى أوصل واشنطن لحد الخوف على زوبان دورها سريعاً فى الاقليم السودانى وما جاوره فى ظل التقدم الصينى المتسارع حتى سياسياً وكأن هيلارى كلنتون وعبر الموقف الأمريكى الضاغط أخيراً على جوبا لتقبل بقيمة رسم العبور لنفطها عبر الشمال ( على الأقل لمدة ثلاثة سنوات فقط كما جاء عليه الاتفاق ) وكذا حمل الخرطوم على تجاوز موقفها الرافض للدخول مباشرة فى مفاوضات ملف النفط حتى قبل حسم الملف الأمنى وملف الحدود بمثل ما كان يعبر موقفها التفاوضى خوفاً من استقلال الجنوب لموارده فى مجال التسليح العسكرى .. كأنها  ( كلنتون ) تحاول بذلك اللحاق بالموقف الأمريكى والدور الأمريكى بالمنطقة حتى لأ ينهار تماماً مفسحاً المجال لرسم الحلول وانفاذها عبر آخرين على رأسهم الصين التى بدأت ومع تفاقم الخلاف ووصوله لمناطق مقفولة بزيادة حجم تأثيرها وضغطها على الجانبين وبالفعل سجل المبعوث الصينى لأفريقيا الذى زار الخرطوم وجوبا أخيراً عبارات أكثر تحديداً وربما صرامة لكلا الطرفين .. وكلنتون بجهدها الأخير هذا تبقى الملف أمريكياً بمثل ما تبقى الحلول أمريكية لذا لم يكن مستغربا أن يحتفى الأمريكانً بالاتفاق على أعلى مستوى فكان أن ظهر الرئيس أوباما بنفسه ليقدم التهنئة لجوبا والخرطوم للتوصل للاتفاق الذى صنعته كلنتون فقط بمكالمة هاتفية وبضعة ابتسامات اجتهدت ليحملها وجهها أمام الرئيس سيلفاكيير أثناء لقائها الرجل بجوبا ..
   
       ..  اذاً واشنطن تلحق بدورها فى افريقيا والسودان  قبل أن يلتهمه الصينيون بمثل ما التهموا جزءًا كبيراً من حصتها الاقتصادية بمناطق مختلفة من العالم .. وبالفعل فان توقيع الجنوب على اتفاق أديس الأخير بشأن النفط يبقى الفهم الأمريكى تجاه نفط الجنوب السودانى بذات درجة تطلعه فمدة سريان الاتفاق الأخير المحددة بثلاثة سنوات فقط  تجدد برضى الطرفين وخاصة الطرف الجنوبى أو لآ تجدد .. تبدو فترة مريحة وكافية ليفلح الجانبان الامريكى والجنوبى فى ترتيب الأمر برمته وفى ترتيب أوضاعهما التى يصبح معها أمر استخراج بترول الجنوب وتصديره والاستفادة منه تحت خيارات أكثر اتساعاً للجانبين من الخيارات المتاحة الآن بضيقها ومحدوديتها وصعوبتها وهى فترة تتيح للدور الأمريكى ليبقى حاضناً للشأن السودانى  لسنوات أخرى اضافية تؤخر من الالتهام الصينى الكامل له اذا ما استمر الحال الاقتصادى الدولى على وتيرته الحالية دونما مفاجآت تهدد موقف بكين الاقتصادى وهو احتمال أقرب ما يكون الى الخيال منه الى الحقيقة الا أن العالم بدأ خلال السنوات الأخيرة يقبل من ذاك الخيال بمثل ما ينصاع للمنطق والمعطيات الواقعية بفعل التقلبات التى تصنف بتأثيراتها ضمن ما هو خارج عن المألوف أو ما هو فوق حسابات العقلية البشرية رقم تقدمها وامساكها كما تظن بأقدارها وحياتها .. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق